التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٩
مجلسه الذي هو فيه، فان قام بطل استثناؤه. وقال قوم " واذكر ربك إذا نسيت " أمرا ثم تذكرته، فإن لم تذكره فقل " عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا ".
وقال بعضهم: عسى أن يعطيني ربي من ارشد ما هو أولى من قصة أصحاب الكهف.
والذي نقوله: ان الاستثناء متى لم يكن متصلا بالكلام أو في حكم المتصل، لم يكن له تعلق بالأول ولا حكم له، وانه يجوز دخول الاستثناء بمشيئة الله في جميع أنواع الكلام: من الامر. والنهي، والخبر، والايمان، وغير ذلك. ومتى استثنى ثم خالف لم يكن حانثا في يمينه ولا كاذبا في خبره. ومتى هو استثناه بعد مدة بعد انفصال الكلام لم يبطل ذلك حنثه ولزمته الكفارة. ولو لم نقل ذلك أدى إلى أن لا يصح يمين ولا خبر ولا عقد، فان الانسان متى شاء استثنى في كلامه ويبطل حكم كلامه.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من حلف على أمر يفعله ثم رأى ما هو خير له فليحنث وليكفر عن يمينه) ولو كان الاستثناء جائزا بعد مدة، لكان يقول فليستثني ولا يحتاج إلى الكفارة ولا يلزمه الحنث.
وقد روي في اخبارنا مثل ما حكيناه عن ابن عباس. ويشبه أن يكون المراد به أنه إذا استثنى وكان قد نسي من غير تعمد فإنه يحصل له ثواب المستثني دون أن يؤثر في كلامه، وهو الأشبه بابن عباس وأليق بعمله وفعله، فان ما حكي عنه بعيد جدا. وقال المبرد، وجماعة: إن قوله " ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله " ضم الاستثناء إلى الكلام الذي قبله. ثم قال " واذكر ربك إذ نسيت وقل عسى " استأنف كلاما آخر وقصة أخرى. وقال الجبائي هذا استئناف كلام من الله، وأمر منه لنبيه صلى الله عليه وآله أنه إذا أراد فعلا من الافعال فنسيه فليذكر الله وليقل عسى أن يهديني ربي لأقرب مما نسيته رشدا. وقال عكرمة: " اذكر ربك إذا نسيت " معناه إذا نسيت امرا فاذكر ربك تتذكره، وهذا يدل على أنه لم يرد اليمين
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»
الفهرست