التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٧٣
في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (86) آية قد مضى تفسير مثل هذه الآية فلا وجه لإعادته (1) وبينا أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به الأمة، ينهاهم الله أن يعجبوا بما اعطى الله الكفار من الأموال والأولاد في الدنيا حتى يدعوهم ذلك إلى الصلاة عليهم، ولا ينبغي ان يغتروا بذلك فإنما يريد الله ان يعذبهم بها في الدنيا، لأنهم لا ينفقونها في طاعة الله ولا يخرجون حق الله منها. ويجوز أن يعذبهم بها في الدنيا بما يلحقهم فيها من المصائب والغموم وبما يأخذها المسلمون على وجه الغنيمة وبما يشق عليهم من إخراجها في الزكاة والانفاق في سبيل الله مع اعتقادهم بطلان الاسلام وتشدد ذلك عليهم ويكون عذابا لهم، وان نفوسهم تزهق اي تهلك بالموت " وهم كافرون " أي في حال كفرهم، فلذلك عذبهم الله في الآخرة. والاعجاب هو ايجاد السرور بما يتعجب منه من عظيم الاحسان، تقول: أعجبني امره اعجابا إذا سررت بموضع التعجب منه والزهق خروج النفس بمشقة شديدة ومنه قوله " فإذا هو زاهق " (2) أي هالك.
وقيل: في وجه حسن تكرار هذه الآية دفعتين قولان:
أحدهما - قال أبو علي: يجوز أن تكون الآيتان في فريقين من المنافقين كما يقول القائل: لا يعجبك حال زيد ولا يعجبك حال عمرو.
الثاني - أن يكون الغرض البيان عن قوة هذا المعنى فيما ينبغي ان يحذر منه مع أنه للتذكير في موطنين بعد أحدهما عن الاخر، فيجب العناية به، وليس ذلك بقبيح، لان الواحد منا يحسن به أن يقوم في مقام بعد مقام، ويكرر الوعظ والزجر والتخويف ولا يكون ذلك قبيحا.

(1) في تفسير آية 56 من هذه السورة (2) سورة 21 الأنبياء آية 18
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست