التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٥ - الصفحة ٢٥٢
الذال " طائفة " بالنصب. الباقون بضم الياء في (يعف تعذب طائفة) بضم التاء ورفع طائفة. من قرأ بالنون فلقوله " ثم عفونا عنكم " (1). ومن قرأ بالتاء فالمعنى ذاك بعينه. وأما " تعذب " فمن قرأ بالتاء، فلان الفعل في اللفظ مسند إلى مؤنث.
قوله تعالى: " لا تعتذروا " صورته صورة النهي والمراد به التهديد. والمراد ان الله تعالى امر نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول لهؤلاء المنافقين الذين يحلفون بأنهم ما قالوه إلا لعبا وخوضا على وجه التهزئ بآيات الله " لا تعتذروا " بالمعاذير الكاذبة فإنكم بما فعلتموه " قد كفرتم " بعد أن كنتم مظهرين الايمان الذي يحكم لمن أظهره بأنه مؤمن، ولا يجوز ان يكونوا مؤمنين على الحقيقة مستحقين للثواب ثم يرتدون، لما قلناه في غير موضع: ان المؤمن لا يجوز عندنا أن يكفر لأنه كان يؤدي إلى اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم، لبطلان التحابط.
والاجماع يمنع من ذلك. والاعتذار اظهار ما يقتضي العذر، والعذر ما يسقط الذم عن الجناية.
وقوله " إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة " اخبار منه تعالى أن ان عفا عن قوم منهم إذا تابوا يعذب طائفة أخرى لم يتوبوا. والعفو رفع التبعة عما وقع من المعصية وترك العقوبة عليها. ومثله الصفح والغفران. وقوله " بأنهم كانوا مجرمين " معناه انه إنما يعذب الطائفة التي يعذبها لكونها مجرمة مذنبة مرتكبة لما يستحق به العقاب. والاجرام الانقطاع عن الحق إلى الباطل. واصله الصرم تقول:
جرم الثمر يجرمه جرما وجراما إذا صرمه. والجرم مصرم الحق بالباطل وتجرمت السنة إذا تصرمت قال لبيد:
دمن تجرم بعد عهد انيسها * حجج خلون حلالها وحرامها (2) قال الزجاج والفراء: نزلت الآية في ثلاثة نفر فهزئ اثنان وضحك واحد

(1) سورة 2 البقرة آية 52.
(2) اللسان " جرم "
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست