فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٧٢٦
2584 - (إنما بعثت) أي أرسلت (لأتمم) أي لأجل أن أكمل (صالح) وفي رواية بدله مكارم (الأخلاق) بعد ما كانت ناقصة وأجمعها بعد التفرقة قال الحكيم أنبأنا به أن الرسل قد مضت ولم تتم هذه الأخلاق فبعث بإتمام ما بقي عليهم وقال بعضهم أشار إلى أن الأنبياء عليهم السلام قبله بعثوا بمكارم الأخلاق وبقيت بقية فبعث المصطفى صلى الله عليه وسلم بما كان معهم وبتمامها، وقال الحرالي صلاح الأخلاق هي صلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها في قوله اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي وقال العارف ابن عربي معنى الحديث أنه لما قسمت الأخلاق إلى مكارم وإلى سفساف وظهرت مكارم الأخلاق كلها في شرائع الرسل وتبين سفسافها من مكارمها عندهم وما في العالم إلا أخلاق الله وكلها مكارم فما ثم سفساف أخلاق فبعث نبينا صلى الله عليه وسلم بالكلمة الجامعة إلى الناس كافة وأوتي جوامع الكلم وكل شئ يقدمه على شرع خاص فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه بعث لتتم صالح الأخلاق فصار للكل مكارم أخلاق فما ترك في العلم سفساف أخلاق جملة واحدة لمن عرف مقصد الشرع فأبان لنا مصارفه لهذا المسمى سفسافا من نحو حرص وشره وحسد وبخل وكل صفة مذمومة فأعطانا لها مصارف إذا أجريناها عليها عادت مكارم أخلاق وزال عنها اسم الذم فكانت محمودة فتمم الله به مكارم الأخلاق فلا ضد لها كما أنه لا ضد للحق لكن منا من عرف المصارف ومنا من جهلها (ابن سعد) في الطبقات (خد ك هب عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضا باللفظ المزبور قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح انتهى. فكأن المصنف أغفله ذهولا وقال ابن عبد البر حديث متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره.
2585 - (إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا) لأنه حشي بالرحمة والرأفة فاستنار قلبه بنور الله فرقت الدنيا في عينه فبذل نفسه في جنب الله فكان رحمة ومفزعا ومأمنا وغياثا وأمانا فالعذاب لم يقصد من بعثه (تخ عن أبي هريرة) وفي الباب نحوه عن جمع صحابيين.
2586 - (إنما بعثتم) أيها المؤمنون (ميسرين) نصب على الحال من الضمير في بعثتم وكذا قوله الآتي معسرين قال الحرالي والتيسير تحمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم والعسر بما يجتهد النفس ويضر الجسم ثم أكد التيسير بنفي ضده وهو التعسير فقال (ولم تبعثوا معسرين) إسناد البعث إليهم مجاز لأنه المبعوث بما ذكر، لكن لما نابوا عنه في التبليغ أطلق عليهم ذلك إذ هم مبعوثون من قبله أي
(٧٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 721 722 723 724 725 726 727 728 729 730 731 » »»