فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٧٢٥
شاء أن يفقهه استعدادا لتلقف المعاني استعدادا على ما قدره وقال التوربشتي علم المصطفى صلى الله عليه وسلم صحبه أنه لم يفضل في قسمته ما أوحي إليه أحدا على أحد بل سوى في الإبلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء وقد كان بعض الصحب يسمع الحديث ولا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم وممن بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقال الكرماني في قوله الله يعطي تقديم لفظ الله مفيد للتقوية عند السكاكي ولا يحتمل التخصيص أي الله يعطي لا محالة وعند الزمخشري يحتمله أيضا فيكون معناه الله يعطي لا غيره ويصح أن يكون جملة حالية فيكون معناه ما أنا قاسم إلا في حال إعطاء الله لا في حال غيره واستشكل التعبير بأداة الحصر من حيث إن معناه ما أنا إلا قاسم وكيف يصح وله صفات أخرى كالرسول والمبشر والنذير، وأجيب بأن الحصر بالنسبة لاعتقاد السامع فحسب فلا ينفي إلا ما اعتقده لا كل صفة فإن اعتقد أنه معط لا قاسم كان من قصر القلب أي ما أنا إلا قاسم لا معط وإن اعتقد أنه قاسم ومعط كان قصر أفراد لا شركة في الوصفين بل أنا قاسم فقط (تنبيه) استنبط السبكي من هذا الحديث أن الإمام ليس له تقديم غير الأحوج عليه لأن التمليك والإعطاء إنما هو من الله لا من الإمام فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله وإنما وظيفته القسمة وهي يجب كونها بالعدل ومنه تقديم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجة فإذا قسم بينهما ودفع لهما علمنا أن الله ملكه لهما قبل الدفع وأن القسمة إنما هي معينة فإن لم يكن إمام وبرز أحدهما واستأثر كان كما لو استأثر بعض الشركاء بمال مشتركا فلا يجوز (تنبيه) أخذ ابن الحاج من الحديث أنه ليس للعالم أن يخص قوما دون آخرين بإلقاء الأحكام عليهم لأن المسلمين قد تساووا في الأحكام وبقيت المواهب من الله يخص بها من يشاء (طب عن معاوية) قال الهيثمي رواه بإسنادين أحدهما حسن.
2583 - (إنما أنا رحمة) أي ذو رحمة أو مبالغ في الرحمة حتى كأني عينها لأن الرحمة ما يترتب عليه النفع ونحوه وذاته كذلك وإن كانت ذاته رحمة فصفاته التابعة لذاته كذلك (مهداة) بضم الميم أي ما أنا إلا ذو رحمة للعالمين أهداها الله إليهم فمن قبل هديته أفلح ونجا ومن أبى خاب وخسر وذلك لأنه الواسطة لكل فيض فمن خالف فعذابه من نفسه كعين انفجرت فانتفع قوم وأهمل قوم فهي رحمة لها ولا يشكل على الحصر وقوع الغضب منه كثيرا لأن الغضب لم يقصد من بعثه بل القصد بالذات الرحمة والغضب بالتبعية بل في حكم العدم فانحصر فيها مبالغة أو المعنى أنه رحمة على الكل لا غضب على الكل أو أنه رحمة في الجملة فلا ينافي الغضب في الجملة أنه رحمة في الجملة ويكفي في المطلب إثبات الرحمة (ابن سعد) في الطبقات (والحكيم) في النوادر (عن أبي صالح مرسلا) أبو صالح في التابعين كثير فكان ينبغي تمييزه (ك) في الإيمان (عنه) أي عن أبي صالح (عن أبي هريرة) يرفعه قال الحاكم على شرطهما وتفرد الثقة مقبول انتهى وأقره عليه الذهبي.
(٧٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 720 721 722 723 724 725 726 727 728 729 730 ... » »»