فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٧٢٤
الطيب هنا الطهارة (بيمينه) فيكره ذلك تنزيها وقيل تحريما وقد أفاد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لجميع الأمة كالأب وكذا أزواجه أمهات المؤمنين لأن منه ومن أزواجه تعلم الذكور والإناث معاني الدين كله ولم يتولد خير إلا منه ومنهن فبره وبرهن أوجب من كل واجب وعقوقه وعقوقهن أهلك من كل مهلك وهذا نهي بلفظ الخبر وهو أبلغ في النهي لأن خبر الشارع لا يتصور خلافه وأمره وقد يخالف ذكره النووي ويستطبب بالياء على ما في عامة النسخ لكن قال الحافظ العراقي هو في أصلنا بدون ياء على لفظ النهى (تنبيه) قال ابن الحاج أمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحقيقة أولاده لأنه السبب للإنعام عليهم بالحياة السرمدية والخلود في دار النعيم فحقه أعظم من حقوق الوالدين قال عليه الصلاة والسلام ابدأ بنفسك فقدم نفسه على غيره والله قدمه في كتابه على نفس كل مؤمن ومعناه إذا تعارض له حقان حق لنفسه وحق لنبيه فآكدهما وأوجبهما حق النبي صلى الله عليه وسلم ثم يجعل حق نفسه تبعا للحق الأول وإذا تأملت الأمر في الشاهد وجدت نفع المصطفى صلى الله عليه وسلم أعظم من الآباء والأمهات وجميع الخلق فإنه أنقذك وأنقذ آباءك من النار وغاية أمر أبويك أنهما أوجداك في الحس فكانا سببا لإخراجك إلى دار التكليف والبلاء والمحن (حم د ن ه حب) كلهم في الطهارة (عن أبي هريرة) بألفاظ متقاربة وفيه محمد بن عجلان وفيه كلام سبق.
2581 - (إنما أنا عبد) أي كامل المعبودية لله تعالى (آكل كما يأكل العبد) لا كما تأكل الملوك ونحوهم من أهل الرفاهية (وأشرب كما يشرب العبد) أي لا أجلس للأكل ولا للشرب كما يجلس الذين ادعوا الحرية ويجلسون جلوس الأحرار برفاهية وغيرها والإنسان وإن أفر بالعبودية لا يفي بكمال حقها إذ وصف العبد رد المشيئة في جميع أموره إلى مشيئة مولاه وترك الاختيار مطلقا ولا يطيق ذلك إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ويكره الأكل والشرب متكئا (عد) وكذا الديلمي وابن أبي شيبة (عن أنس) وفيه قصة قال بعض شراح الشفاء وسنده ضعيف.
2582 - (إنما أنا مبلغ) عن الله ما يوحي به إلي (والله يهدي) أي يوصل إلى الرشاد وليس لي من الهداية شئ (وإنما أنا قاسم) أي أقسم بينكم ما أمرني الله بقسمته وألقى إلى كل واحد ما يليق به (والله يعطي) من يشاء فليست قسمتي كقسمة الملوك الذين يعطون من شاؤوا ويحرمون من شاؤوا فلا يكون في قلوبكم سخط وتنكر للتفاضل فإنه بأمر الله والمراد أنا أقسم ما أوحى إلي لا أفضل أحدا من أمتي على الآخر في إبلاغ الوحي وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء أو المراد أنا أقسم العلم بينكم والله يعطي الفهم الذي يهتدي به إلى خفيات العلوم في كلمات الكتاب والسنة والتفكر في معناها والتوفيق للعمل بمقتضاها لمن شاء ذكره القاضي وهو بمعنى قول الطيبي المراد أنه تعالى يعطي من
(٧٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 719 720 721 722 723 724 725 726 727 728 729 ... » »»