شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٣١
برأيه في الرعية وفى دين الله، واستلحاقه زيادا، وهو يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وآله:
(الولد للفراش وللعاهر الحجر)، وقتله حجر بن عدي وأصحابه ولم يجب عليهم القتل، ومهانته لأبي ذر الغفاري وجبهه وشتمه وإشخاصه إلى المدينة على قتب بعير وطاق لانكاره عليه، ولعنه عليا وحسنا وحسينا وعبد الله بن عباس على منابر الاسلام، وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد، مع ظهور فسقه وشربه المسكر جهارا، ولعبه بالنرد، ونومه بين القيان المغنيات، واصطباحه معهن، ولعبه بالطنبور بينهن، وتطريقه بنى أمية للوثوب على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وخلافته، حتى أفضت إلى يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد، المفتضحين الفاسقين: صاحب حبابة وسلامة، والآخر رامي المصحف بالسهام وصاحب الاشعار في الزندقة والالحاد.
ولا ريب أن الخوارج إنما برئ أهل الدين والحق منهم لأنهم فارقوا عليا وبرئوا منه وما عدا ذلك من عقائدهم، نحو القول بتخليد الفاسق في النار، والقول بالخروج على أمراء الجور، وغير ذلك من أقاويلهم، فإن أصحابنا يقولون بها، ويذهبون إليها، فلم يبق ما يقتضى البراءة منهم إلا برأتهم من على، وقد كان معاوية يلعنه على رؤوس الاشهاد وعلى المنابر في الجمع والأعياد، في المدينة ومكة وفى سائر مدن الاسلام فقد شارك الخوارج في الامر المكروه منهم، وامتازوا عليه بإظهار الدين والتلزم بقوانين الشريعة، والاجتهاد في العبادة وإنكار المنكرات، وكانوا أحق بأن ينصروا عليه من أن ينصر عليهم، فوضح بذلك قول أمير المؤمنين: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي)، يعنى في ملك معاوية.
ومما يؤكد هذا المعنى أن عبد الله بن الزبير استنصر على يزيد بن معاوية بالخوارج واستدعاهم إلى ملكه، فقال فيه الشاعر:
يا بن الزبير أتهوى فتية قتلوا * ظلما أباك ولما تنزع الشكك (1) ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحية * يا طيب ذاك الدم الزاكي الذي سفكوا!
فقال ابن الزبير: لو شايعني الترك والديلم على محاربة بنى أمية، لشايعتهم وانتصرت بهم.

(1) الشكك: جمع شكة، وهي السلاح.
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175