شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٣٠
فينا، فقلت: ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بنى، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم، قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به. إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنك (1) قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدى، فاجتهد وشمر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: (أشهد أن محمدا رسول الله)، فأي عملي يبقى، وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلا دفنا دفنا.
وأما أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة، من لبسه الحرير، وشربه في آنية الذهب والفضة، حتى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء، فقال له: إني سمعت رسول الله صلى عليه وآله يقول:
(إن الشارب فيها ليجرجر في جوفه نار جهنم)، وقال معاوية: أما أنا فلا أرى بذلك بأسا، فقال أبو الدرداء: من عذيري من معاوية! أنا أخبره عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يخبرني عن رأيه! لا أساكنك بأرض أبدا.
نقل هذا الخبر المحدثون والفقهاء في كتبهم في باب الاحتجاج على أن خبر الواحد معمول به في الشرع، وهذا الخبر يقدح في عدالته كما يقدح أيضا في عقيدته، لان من قال في مقابلة خبر قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله: أما أنا فلا أرى بأسا فيما حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس بصحيح العقيدة. ومن المعلوم أيضا من حالة استئثاره بمال الفئ، وضربه من لا حد عليه، وإسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه، وحكمه

(1) ساقطة من ب، وهي في ا، ج.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175