ولو ركع الماشي وسجد مع الامكان كان أولي لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة والأفضل الصلاة عند الاستقرار لما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام قال سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا (بالكوفة فقال إن كنت مستعجلا) تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك أن تركت وأنت راكب فنعم والا فان صلاتك على الأرض أحب إلي وروى الشيخ في باب المواقيت من الزيادات في الموثق عن عمار الساباطي في حديث طويل وعن الرجل يكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر قال نعم يقضيها بالليل على الأرض فاما على الظهر فلا قيل والى غير القبلة سواء كان في حال الركوب والمشي أم لا والقائل بذلك المحقق وهو المنقول عن ظاهر الخلاف واليه ذهب (المتأخرين) وظاهر جماعة من الأصحاب وصريح جماعة المنع ويدل على الأول الأصل وقوله تعالى في سورة البقرة ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله فان الظاهر والله تعالى اعلم ولله المشرق والمغرب لا يختص به مكان دون مكان كالكعبة أو غيره فبأي مكان تولوا وجوهكم فثم جهته (جهة الله) التي أمر بها أو رضيها أو فثم قبلة الله قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان الوجه والجهة والوجهة القبلة ويؤيد ذلك قول المحقق في المعتبر وقد استفاض النقل انها في النافلة وفي المنتهى وقد قال الصادق عليه السلام انها في النافلة ونحو منه في التذكرة ونحوه قال الراوي عنهما عليهما السلام كما نقل عنه فان قلت لا ينحصر معنى الآية فيما ذكر فقد قيل في تفسيره وجوه منها ما قال صاحب الجوامع وصاحب الكشاف والبيضاوي و هو ان مجموع ما في جهة المشرق لله ففي اي مكان قد فعلتم التولية اي تولية وجوهكم شطر القبلة فثم جهته التي أمر بها ورضيها والمعنى انكم إذا صنعتم ان تصلوا في المسجد الحرام أو في بيت المقدس فقد جعلنا لكم الأرض مسجدا فصلوا في اي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها فان التولية لا يختص بمسجد ولا مكان ويؤيد ذلك قوله تعالى فيما قبل الآية ومن أظلم ممن منع مساجد الله ان الآية ومنها ما ذكره البيضاوي وهو ان المراد بأي مكان فعلتم التولية نحو المسجد الحرام فهناك وجه الله اي ذات الله يعلم ويرى فيكون المراد بالوجه الذات كما في قوله تعالى كل شئ هالك الا وجهه وقوله يريدون وجهه وقوله يبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ومنها ما نقله الشيخ الطبرسي في مجمع البيان عن بعض المفسرين وهو ان معناه بأي مكان تولوا فثم الله يعلم ويرى فادعوه كيف توجهتم وعلى هذا التفسير للوجه يحتمل ان يكون المراد بأي مكان تولوا فثم الله اي يعلم ويعرف بالدلائل والشواهد المنصوبة في البلاد والعباد ومشارق الأرض ومغاربها ومنها ما نقله الطبرسي أيضا عن بعض المفسرين وهو ان المراد فثم رضوان الله اي الوجه الذي يودي إلى رضوانه كما يقال هذا وجه الصواب ومنها ما نقله صاحب الكشاف عن بعضهم وهو ان المراد فأينما تولوا للدعاء والذكر ولم يرد الصلاة وفي بعض التفاسير قال مجاهد والحسن لما نزلت وقال ربكم ادعوني استجب لكم قالوا أين ندعوه فأنزل الله الآية وقال أبو العالية لما صرفت القبلة قال اليهود ليست لهم قبلة معلومة فتارة يصلون هكذا وتارة هكذا فنزلت وقيل نزلت في قوم (عميت) عليهم القبلة فصلوا إلى انحاء مختلفة فلما أصبحوا تبينوا خطاهم وبه روايتان من طريق العامة وقال الصدوق في الفقيه ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير ذكر ذلك بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار السابقة فيحتمل ان يكون من كلام أبي جعفر عليه السلام ويحتمل ان يكون من كلام الصدوق والظاهر أنه لا يقول ذلك الا عن رواية والظاهر الأول يظهر ذلك عند التأمل في سياق كلامه وروى الشيخ في التهذيب في اخر باب القبلة عن محمد بن الحصين قال كنت إلى عبد صالح الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أيعتد بصلاته أم يعيدها فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت أو لم يعلم أن الله يقول وقوله الحق فأينما تولوا فثم وجه الله والراوي ضعيف وقيل كان للمسلمين التوجه إلى حيث شاؤوا في صلاتهم كما في مجمع البيان أو بين الصخرة والكعبة كما في الكبير وكتاب الراوندي وفيه نزلت الآية ثم نسخت وقيل نزلت في التطوع على الراحلة حيث توجهت حال السفر قال الطبرسي وهذا مروي عن أئمتنا عليهم السلام وقال الشيخ في النهاية بعد نقل الآية وروى عن الصادق عليه السلام أنه قال هذا في النوافل خاصة في حال السفر وبالجملة إذا قام هذه الاحتمالات كلا أو بعضا سقط الاستدلال قلت الاحتمال الذي ذكرنا أقرب إلى ظاهر لفظ الآية لاشتمال هذه الاحتمالات على جهة بعد فلا يعدل عن الظاهر الا لدليل إما الاحتمال الأول فلان حمل قوله تعالى فأينما تولوا على معنى اي مكان تولوا وجوهكم إلى القبلة خلاف الظاهر بل المتبادر وباي مكان وليتم وجوهكم وقوله فثم وجه الله لا يناسب هذا الحمل إذ ليس جهة الله ذلك المكان الذي وقعت التولية إليه واما الاحتمال الثاني فلانه مشتمل على حمل الآية على اي معنى تولوا وجوهكم فيه إلى المسجد الحرام وهو خلاف الظاهر كما قلنا مع أن قوله فثم وجه الله لا يستقيم على هذا الحمل الا يضرب من التوسع ولا يجوز العدول عن الحقيقة الا بدليل ولا دليل عليه هيهنا ومن هيهنا يعلم بعد الاحتمال الثالث والرابع واما بعد الاحتمال الخامس فغير خفي واما الاحتمال السادس فلانه تخصيص من غير دليل وما قاله مجاهد والحسن وأبو العالية غير ثابت وكذا التخصيص بالمتحير والتخصيص بالنافلة على الراحلة حال السفر واحتمال النسخ قول ضعيف لا شاهد عليه ويدل على القول الثاني قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة السابقة لا صلاة الا إلى القبلة وقد يستدل عليه بوجهين آخرين الأول ان العبادة متلقاه من الشارع ولم ينقل النافلة إلى غير القبلة إلى الاستقرار فيكون فعلها كذلك تشريعا محرما الثاني ان المعلوم من فعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة ذلك فيكون واجبا عملا بالتأسي وفيهما نظر إما الأول فلان عموم الأدلة المقتضية للامتثال لكل فرد من الطبيعة المطلوبة كاف في اخراج الفعل عن كونه تشريعا وتوضيحه ان الظاهر المعروف بينهم ان استقبال القبلة خارج عن حقيقة الصلاة وليست من اجزائها وحيث ثبت الاشتراط تخصصت طبيعة الصلاة المطلقة المطلوبة بنوع منه وحيث لم يثبت كانت المطلقة باقية على اطلاقها فيحصل الامتثال بكل فرد منها ولا يتوقف على بيان كل فرد بخصوصه قولا أو فعلا أما الثاني فلان التأسي تابع للاطلاع على جهة الفعل فإن كانت هي الوجوب وجب وذلك منتف هيهنا وهذه المسألة محل تردد فيحتمل القول بعدم جواز النافلة إلى غير القبلة تمسكا بالخبر وترجيحا له على الآية فان الآية وإن كانت لها ظهور في المدعى لكن ظهور ضعيف لا يقاوم ظهور الخبر في مدلوله واما النقل الدال على أن المراد في الآية النافلة مطلقا فغير معلوم الصحة والقدر المعلوم منه معارض بنظيره أو قريب منه فيحتمل القول بالجواز ترجيحا للآية على الخبر ان قلنا بعدم مقاومة ظواهر اخبار الآحاد لظواهر الآيات إما مطلقا أو عند تأيد الآية ببعض الاخبار وإن كان ضعيفا كما فيما نحن بصدده ويؤيده تطرق التخصيص إلى الخبر بخروج النافلة على الراحلة سفرا وحضرا كما بينا ولا يخفى ان مقتضى التردد في ترجيح المتعارضين هنا القول بالجواز ان قلنا إن استقبال القبلة ليست من حقيقة الصلاة لكن لو نازع فيه منازع وقال إنه من أركان الصلاة أو احتمل ذلك اتجه القول بعدم الجواز تحصيلا للبرائة اليقينية من التكليف الثابت والأوجه في هذا المقام العمل بالاحتياط ولا يجوز ذلك اي الاتيان بالصلاة على الراحلة والى غير القبلة في الفريضة لا اعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب إما الثاني فقد مر الدليل عليه واما الأول فقال المحقق في المعتبر انه مذهب العلماء كافة سواء في ذلك الحاضر والمسافر ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب في أواخر باب الصلاة المضطر من الزيادات وفي الاستبصار في باب المريض يصلي في محله في الحسن لثعلبة بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال لا يصلى على الدابة الفريضة الا مريض يستقبل به القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما امكنه من شئ ويؤمى في النافلة ايماء وما رواه الشيخ في التهذيب في أواخر باب السفر من
(٢١٦)