الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ١٤٤
النحويين وقالوا في قول العرب أعط زيدا وعمرا دينارا دينارا إن ذلك إنما يوجب الجمع بينهما في العطاء ولا يوجب تقدمة زيد على عمرو في العطاء قالوا فقوله تعالى * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * [المائدة 6] إنما يوجب ذلك الجمع بين الأعضاء المذكورة في الغسل ولا يوجب النسق وقد قال الله تعالى * (وأتموا الحج والعمرة لله) * [البقرة 196] فبدأ بالحج قبل العمرة وجائز عند الجميع أن يعتمر الرجل قبل أن يحج وكذلك قوله تعالى " وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة البقرة 43] وجائز لمن وجب عليه إخراج زكاته في حين صلاة أن يبدأ بإخراج الزكاة ثم يصلي الصلاة في وقتها عند الجميع وكذلك قوله تعالى " فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله " [النساء 92] لا يختلف العلماء أنه جائز لمن وجب عليه في قتل الخطأ إخراج الدية وتحرير الرقبة أن يخرج الدية ويسلمها قبل أن يحرر الرقبة وهذا منسوق بالواو وهذا كثير في القرآن فدل ذلك أن الواو لا توجب رتبة قالوا ولسنا ننكر - إذا صحب الواو بيان يوجب التقدمة - أن ذلك كله لموضع البيان كما ورد البيان بالإجماع في قوله " أركعوا واسجدوا " [الحج 77] وقوله عليه السلام في الصفا والمروة ((نبدأ بما بدأ الله به) * (1) وإنما قلنا إن حق الواو في اللغة التسوية لا غير حتى يأتي البيان بغير ذلك فنحفظه قالوا ولو كانت الواو توجب الرتبة ما احتاج النبي - عليه السلام - أن يبين الابتداء بالصفا وإنما بين ذلك إعلاما لمراد الله من الواو بذلك الموضع ولم يختلف في أنه ينبغي أن يبدأ بما بدأ الله به وإنما التنازع فيمن لم يفعل ما دل عليه وقد روي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا ((لا نبالي بأي أعضائنا بدأنا في الوضوء إذا أتممت وضوئي)) وهم أهل اللسان ولم يبن لهم من الآية إلا معنى الجمع لا معنى الترتيب
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»