عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ١٩٧
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث، فقالت حفصة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وأنحظر؟ فقالت: بلى، فركبت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها ثم سار حتى نزلوا، وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر وتقول: يا رب سلط علي عقربا أو حية تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئا.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو نعيم بضم النون: الفضل بن دكين، وعبد الواحد بن أيمن ضد الأيسر المخزومي المكي يروي عن عبد الله بن عبيد بن أبي مليكة بضم الميم، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنهم.
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن أحمد بن سليمان ثلاثتهم عن أبي نعيم.
قوله: (كان إذا خرج) أي: إلى السفر (أقرع بين نسائه) وقال النووي: هو واجب في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النبي صلى الله عليه وسلم ففي وجوب القسم في حقه خلاف فمن قال بوجوبه يجعل إقراعه واجبا، ومن لم يوجبه يقول: فعل ذلك من حسن العشرة ومكارم الأخلاق وتطييبا لقلوبهن، وأما الحنفيون فقالوا: لا حق لهن في القسم حالة السفر، يسافر الزوج بمن شاء والأولى أن يقرع بينهن. وقال القرطبي: وليست أيضا بواجبة عند مالك، وقال ابن القصار: ليس له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي، وقال مالك مرة: له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة. وقال المهلب: وفيه: العمل بالقرعة في المقاسمات والاستهام. وفيه: أن القسم يكون بالليل والنهار. قوله: (فطارت القرعة لعائشة) أي: حصلت لها ولحفصة بنت عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنهما، وطير كل إنسان نصيبه، يعني: كان هذا في سفره من سفرات النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (يتحدث) جملة في محل النصب بن علي الحال، والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في هذه السفرة وكانت عائشة وحفصة معه، فإذا كان الليل وهم سائرون يسير مع عائشة يتحدث معها كما هي عادة المسافرين لقطع المسافة، واستدل به المهلب بن علي أن القسم لم يكن واجبا بن علي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان واجبا عليه لحرم بن علي حفصة ما فعلت في تبديل بعيرها ببعير عائشة، ورد عليه ذلك لأن القائل بوجوب القسمة عليه لا يمنع من حديث الأخرى في غير وقت القسم لجواز دخوله إلى غير صاحبة النوبة وقد روى أبو داود والبيهقي، واللفظ له، من طريق ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: قل يوم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا، فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء إلى التي هو يومها بات عندها. انتهى. وعماد القسم في حق المسافر وقت نزوله، وحالة السير ليست منه ليلا كان، أو نهارا. قوله: (فقالت حفصة) أي قالت حفصة لعائشة: (ألا تركبين الليلة) أي: في هذه الليلة بعيري وأركب أنا بعيرك تنظرين إلى ما لم تكوني تنظرين وأنظر أنا إلى ما لم أنظر؟ وإنما حمل حفصة بن علي ذلك الغيرة التي تورث الدهش والحيرة وفيه: إشعار أن عائشة وحفصة لم تكونا متقارنتين بل كانت كل واحدة منهما في جهة قوله: فقالت: بلى. أي: فقالت عائشة لحفصة بلى اركبي وأنا أركب جملي. قوله: (فركبت) أي حفصة جمل عائشة قوله: (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة) بناء بن علي أن عائشة بن علي جملها، والحال أن عليه حفصة قال الكرماني: ويروى: عليها بن علي تأويل الجمل بمؤنث. قوله: (فسلم عليها) أي: بن علي حفصة ولم يذكر في الخبر أنه تحدث، ويحتمل أنه تحدث ولم ينقل. قوله: (وافتقدته عائشة) أي: افتقدت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: في حالة المسايرة، لأن قطع المألوف صعف قوله: (جعلت رجليها) أي جعلت عائشة رجليها بين الأذخر وهو نبت معروف توجد فيه الهوام غالبا في البرية، وإنما فعلت هذا لما عرفت أنها الجانية فيما أجابت إلى حفصة وأرادت أن تعاقب نفسها بن علي تلك الجناية. قوله: (وتقول: يا رب سلط علي) هكذا في رواية المستملي بحرف النداء وفي رواية غيره رب سلط، بدون حرف النداء، وكذا في رواية مسلم. قوله: (تلدغني) بالغين المعجمة. قوله: (ولا أستطيع أن أقول له) أي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال الكرماني الظاهر أنه كلام حفصة ويحتمل أن يكون كلام عائشة. قلت: الأمر بالعكس، بل الظاهر أنه من كلام عائشة، وظاهر العبارة يشعر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرف القصة، ويحتمل أن يكون قد عرفها بالوحي وبالقرائن وتغافل صلى الله عليه وسلم عما جرى إذا لم يجز منها شيء يترتب عليه حكم. وعند مسلم. وتقول: رب سلط
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»