عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٥٦
ذكر معناه: قوله: (شقيصا)، بفتح الشين المعجمة وكسر القاف: بمعنى الشقص، وهو النصيب، وقد ذكرنا أنهما لغتان بمعنى واحد كالنصيف والنصف. قوله: (فعليه خلاصه)، أي: فعليه أداء قيمة الباقي من ماله ليتخلص من الرق. قوله: (قيمة عدل)، قد مضى تفسيره. قوله: (غير مشقوق)، أي: غير مكلف عليه في الاكتساب، حاصله: يكلف العبد بالاستسعاء قدر نصيب الشريك الآخر بلا تشديد، فإذا دفعه إليه عتق، ومعنى هذا الحديث مثل معنى حديث ابن عمر، غير أن فيه زيادة هي: الاستسعاء، وثبت هذا عند الشيخين والترمذي أيضا، وروى ابن عدي في (الكامل) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من أعتق شقصا من رقيق كان عليه أن يعتق نفسه، فإن لم يكن له مال يستسعى العبد) والله أعلم.
6 ((باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه)) أي: هذا باب يذكر فيه: هل يقرع من القرعة بضم القاف، وهي معروفة. قوله: (والاستهام) أي: أخذ السهم، أي: النصيب، وليس المراد من الاستهام هنا الإقراع، وإن كان معناهما في الأصل واحدا، لأنه لا معنى أن يقال: هل يقرع في الإقراع؟ قوله: (فيه) قال الكرماني: الضمير عائد إلى القسم أو المال الذي يدل عليها القسمة، وقال بعضهم: الضمير يعود إلى القسم بدلالة القسمة. قلت: كلاهما بمعزل عن نهج الصواب، ولم يذكر هنا قسم ولا مال حتى يعود الضمير إليه، بل الضمير يعود إلى القسمة والتذكير باعتبار أن القسمة هنا بمعنى القسم، وفي (المغرب): القسمة اسم من الاقتسام، وجواب: هل، محذوف تقديره: نعم يقرع، قال ابن بطال: القرعة سنة لكل من أراد العدل في القسمة بين الشركاء، والفقهاء متفقون على القول بها، وخالفهم بعض الكوفيين، وقالوا: لا معنى لها لأنها تشبه الأزلام التي نهى الله عنها، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه جوزها. وقال: هي في القياس لا تسقيم، ولكنا نترك القياس في ذلك للآثار والسنة، وفي حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، في الإفك: كان إذا خرج أقرع بين نسائه، وفي حديث أم العلاء: أن عثمان بن مظعون طاولهم سهمه في السكنى، حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين، وفي حديث أبي هريرة: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه). وقال تعالى: * (فساهم فكان من المدحضين) * (الصافات: 141). وقال إسماعيل القاضي: ليس في القرعة إبطال شيء من الحق، وإذا وجبت القسمة بين الشركاء في أرض أو دار فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ويستهموا، ويصير لكل واحد منهم ما وقع له بالقرعة مجتمعا مما كان له في الملك مشاعا، فيصير في موضع بعينه، ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه. وإنما منعت القرعة أن يختار كل واحد منهم موضعا بعينه.
3942 حدثنا أبو نعيم قال حدثني زكرياء قال سمعت عامرا يقول سمعت النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.
(الحديث 3942 طرفه في: 6862).
مطابقته للترجمة في قوله: (استهموا على سفينة). وأبو نعيم، بضم النون: الفضل بن دكين الأحول الكوفي، وزكرياء هو ابن زائدة الهمداني الكوفي الأعمى، وعامر هو الشعبي، والنعمان بن بشير، بفتح الباء الموحدة: الأنصاري، مر في كتاب الإيمان.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الشهادات عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش عن الشعبي به. وأخرجه الترمذي في الفتن عن أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن الأعمش به، وقال: حسن صحيح.
قوله: (مثل القائم على حدود الله تعالى) أي: المستقيم على ما منع الله تعالى من مجاوزتها، ويقال: القائم بأمر الله معناه: الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. وقال الزجاج: أصل الحد في اللغة المنع، ومنه حد الدار، وهو ما يمنع غيرها من الدخول فيها، والحداد الحاجب والبواب، ولفظ
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»