عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٥٢
وصار حرا. قوله: (قال: لا أدري) أي: قال أيوب، قاله الطرقي، وكذا في (صحيح الإسماعيلي): قال أيوب، فذكره، قال: وفي رواية المعلى عن حماد عن أيوب، قاله نافع.
ذكر ما يستفاد منه: وهو على أنواع:
الأول: في بيان مسألة الترجمة، وهو التقويم في قسمة الرقيق، فعند أبي حنيفة والشافعي: لا تجوز قسمته إلا بعد التقويم، واحتجا بهذا الحديث وبالحديث الذي بعده، قالا: أجاز صلى الله عليه وسلم تقويمه في البيع للعتق، فكذلك تقويمه في القسمة، وقال مالك وأبو يوسف ومحمد: يجوز قسمته بغير تقويم إذا تراضوا على ذلك، وحجتهم أنه صلى الله عليه وسلم قسم غنائم حنين وكان أكثرها السبي والماشية، ولا فرق بين الرقيق وسائر الحيوانات، ولم يذكر في شيء من السبي تقويم. قلت: مذهب أبي حنيفة: أن الرقيق لا يقسم إلا إذا كان معه شيء آخر للتفاوت فيه، والتفاوت في الآدمي فاحش لتفاوت المعاني الباطنة كالذهن والكياسة والأمانة والفروسية والكتابة، فيعتذر التعديل إلا إذا كان معه شيء آخر، فحينئذ يقسم قسمة الجميع من غير رضا الشركاء، فيجعل الرقيق تبعا كبيع الشرب والطريق، ونحوهما، وقال أبو يوسف ومحمد: يقسم الرقيق جبرا، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد لاتحاد الجنس، وإنما التفاوت في القيمة وذا لا يمنع صحة القسمة كما في الإبل والبقر ورقيق الغنم، والجواب من جهة أبي حنيفة: أن التفاوت في الحيوانات يقل عند اتحاد الجنس، ألا يرى أن الذكر والأنثى من بني آدم جنسان، ومن الحيوانات جنس واحد؟ ألا يرى أنه إذا اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هو جارية لا ينعقد العقد، ولو اشترى غنما أو إبلا على أنه ذكر، فإذا هو أنثى ينعقد العقد، بخلاف المغانم، لأن حق المغانمين في المالية حتى كان للإمام بيعها وقسمة ثمنها بينهم، وفي الرقيق شركة الملك يتعلق بالعين والمالية، فافترق حكمهما، فلا يجوز قياس أحدهما على الآخر.
الثاني: احتج مالك والشافعي وأحمد بالحديث المذكور: أنه إذا كان عبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، فإن كان له مال غرم نصيب صاحبه وعتق العبد من ماله، وإن لم يكن له مال عتق من العبد ما عتق ولا يستسعى. قال الترمذي: وهذا قول أهل المدينة، وعند أبي حنيفة أن شريكه مخير، إما أنه يعتق نصيبه أو يستسعى العبد والولاء في الوجهين لهما، أو يضمن المعتق قيمة نصيبه لو كان موسرا، أو يرجع بالذي ضمن على العبد، ويكون الولاء للمعتق، وعند أبي يوسف ومحمد: ليس له إلا الضمان مع اليسار، أو السعاية مع الإعسار، ولا يرجع المعتق على العبد بشيء، والولاء للمعتق في الوجهين واحتج أبو حنيفة بما رواه البخاري أيضا: من أعتق شقصا له في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قوم عليه واستسعى به غير مشقوق، أي لا يشدد عليه. ورواه مسلم أيضا فثبت السعاية بذلك، وقال ابن حزم: على ثبوت الاستسعاء ثلاثون صحابيا. وقوله: وإلا فقد عتق منه ما عتق، لم تصح هذه الزيادة عن الثقة أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال أيوب ويحيى بن سعيد الأنصاري: أهو شيء في الحديث أو قاله نافع من قبله؟ وهما الراويان لهذا الحديث. وقال ابن حزم في (المحلى): هي مكذوبة.
واعلم أن ههنا أربعة عشر مذهبا. الأول: مذهب عروة ومحمد بن سيرين والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي وزفر: أن من أعتق شركا له في عبد ضمن قيمة حصة شريكه موسرا كان أو معسرا، ورووا ذلك عن عبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب. الثاني: مذهب ربيع: أن من أعتق حصة له من عبد بينه وبين آخر لم ينفذ عتقه، نقله أبو يوسف عنه. الثالث: مذهب الزهري وعبد الرحمن بن يزيد وعطاء ابن أبي رباح وعمرو بن دينار: أنه ينفذ عتق من أعتق ويبقى من لم يعتق على نصيبه يفعل فيه ما شاء. الرابع: مذهب عثمان الليثي، فإنه ينفذ عتق الذي أعتق في نصيبه ولا يلزمه شيء لشريكه إلا أن تكون جارية رائعة. إنما تلتمس للوطء، فإنه يضمن للضرر الذي أدخل على شريكه. الخامس: مذهب الثوري والليث والنخعي في قول، فإنهم قالوا: إن شريكه بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء ضمن المعتق. السادس: مذهب ابن جريج وعطاء بن أبي رباح في قول: إنه إن أعتق أحد الشريكين نصبه استسقى العبد سواء كان المعتق معسرا أو موسرا السابع مذهب عبد الله بن أبي يزيد أنه أن أعتق مشركا له في عبد وهو مفلس، فأراد العبد أخذ نصيبه بقيمته فهو أولى بذلك إن نقد. الثامن: مذهب ابن سيرين أنه: إذا أعتق نصيبه في عبد فباقيه يعتق من بيت مال المسلمين. التاسع: مذهب مالك: أن المعتق إن كان موسرا قوم عليه حصص شركائه، وأغرمها لهم. وأعتق كله بعد التقويم لا قبله، وإن شاء الشريك أن يعتق حصته فله ذلك، وليس له أن يمسكه رقيقا، ولا أن يكاتبه، ولا أن يبيعه، ولا أن يدبره وإن كان معسرا، فقد عتق ما أعتق والباقي رقيق يبيعه الذي هو له إن شاء أو
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»