عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ١٩١
بسم الله الرحمان الرحيم 25 ((كتاب الشهادات)) أي: هذا كتاب في بيان أحكام الشهادات، وهو جمع شهادة، وهو مصدر من: شهد يشهد. قال الجوهري: خبر قاطع والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود أي الحضور، لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره، وقال أصحابنا: معنى الشهادة الحضور، وقال، صلى الله عليه وسلم: (الغنيمة لمن شهد الواقعة)، أي: حضرها والشاهد أيضا يحضر مجلس القاضي ومجلس الواقعة، ومعناها شرعا: إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان، وفي (التوضيح): هذا الكتاب أخره ابن بطال إلى ما بعد النفقات، وقدم عليه الأنكحة، والذي في الأصول والشروح (كشرح ابن التين) وشيوخنا ما فعلناه، يعني ذكرهم هذا الكتاب ههنا.
1 ((باب ما جاء في البينة على المدعي)) أي: هذا باب في بيان ما جاء من نص القرآن أن البينة تتعين على المدعي، وهذه الترجمة هكذا وقع في رواية الأكثرين، وسقط لبعضهم لفظ: باب، وفي رواية النسفي وابن شبويه: بسم الله الرحمن الرحيم موجودة قبل لفظ الكتاب، وفي بضع النسخ، باب ما جاء في البينة على المدعى.
لقول تعالى * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخراى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذالكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدناى أن لا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم) * (البقرة: 282). وقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولاى بهما فلا تتبعوا الهواى أن تعدلوا وأن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) * (النساء: 531).
لم يذكر في هذا الباب حديثا اكتفاء بذكر الآيتين، وقال بعضهم: أما، إشارة إلى الحديث الماضي قريبا من ذلك في آخر: باب الرهن. قلت: الذي في آخر: باب الرهن، هو حديث ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعي عليه، وحديث عبد الله فيه: شاهداك أو يمينه، وهذا الوجه فيه بعد لا يخفى. ثم وجه الاستدلال بالآية للترجمة أنه لو كان القول قول المدعى من غير بينة لما احتيج إلى الكتابة والإملاء، والإشهاد عليه، فلما احتيج إليه دل على أن البينة على المدعي، وقال ابن بطال: الأمر بالإملاء يدل على أن القول قول من عليه الشيء، وأيضا أنه يقتضي تصديقه فيما عليه، فالبينة على مدعي تكذيبه، وأما الآية الأخرى فوجه الدلالة: أن الله تعالى قد أخذ عليه أن يقر بالحق على نفسه، فالقول قول المدعى عليه
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»