عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٤٤
الحديث بعينه؟ قلت: لأن الحديث لم يثبت على شرطه، انتهى، ورد عليه بعضهم بأنه غفلة منه، لأنه غفل عن الإشارة إلى هذا الحديث. غاية ما في الباب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده، ففر من تكراره على صوورته بغير فائدة زائدة كما هو الغالب من عادته. انتهى. قلت: التكرار حاصل على ما لا يخفى، مع أن ذكر هذا لا دخل له في كتاب البيوع، ولهذا سقط هذا في بعض النسخ.
801 ((باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة)) أي: هذا باب في بيان حكم بيع العبد نسيئة وبيع الحيوان بالحيوان نسيئة، هذا تقدير الكلام، وقوله: (والحيوان بالحيوان) من عطف العام على الخاص. قوله: (نسيئة)، بفتح النون وكسر السين المهملة وفتح الهمزة، أي: مؤجلا، وانتصابه على التمييز. وقال بعضهم: وكأنه أراد بالعبد جنس ما يستعبد فيدخل الذكر والأنثى.
قلت: لا نسلم أن يكون المراد بالعبد جنس ما يستعبد، وليس هذا موضوعه في اللغة، وإنما هو خلاف الأمة كما نص عليه أهل اللغة، ولا حاجة لإدخال الأنثى فيه إلى هذا التكلف والتعسف، وقد علم أنه إذا أورد حكم في الذكور يدخل فيه الإناث إلا بدليل، يخص الذكور.
واعلم أن هذه الترجمة مشتملة على حكمين.
الأول: في بيع العبد بالعبد نسيئة وبيع العبد بعبدين أو أكثر نسيئة، فإنه يجوز عند الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال مالك: إنما يجوز إذا اختلف الجنس، وقال أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون: لا يجوز ذلك، وقال الترمذي: باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين: حدثنا قتيبة أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر، قال: (جاء عبد يبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولا يشعر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عبد، فجاء سيده يريده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بعنيه، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا بعد حتى يسأله: أعبد هو؟ ثم قال: والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا بأس عبد بعبدين يدا بيد). واختلفوا فيه إذا كان نسأ وأخرجه مسلم، وبقية أصحاب السنن.
الحكم الثاني: في بيع الحيوان بالحيوان فالعلماء اختلفوا فيه، فقالت طائفة: لا ربا في الحيوان، وجائز بعضه ببعض نقدا ونسيئة، اختلف أو لم يختلف، هذا مذهب علي وابن عمر وابن المسيب، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور. وقال مالك: لا بأس بالبعير النجيب بالبعيرين من حاشية الإبل نسيئة، وإن كانت من نعم واحدة إذا اختلفت وبان اختلافها، وإن اشتبه بعضها بعضا واتفقت أجناسها فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل، ويؤخذ يدا بيد، وهو قول سليمان بن يسار، وربيعة ويحيى بن سعيد. وقال الثوري والكوفيون وأحمد: لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، اختلفت أجناسها أو لم تختلف، واحتجوا في ذلك بما رواه الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. وقال الترمذي: باب ما جاء في كراهة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، ثم روى حديث سمرة هذا وقال: هذا حديث حسن صحيح، وسماع الحسن من سمرة صحيح، هكذا قال علي بن المديني وغيره، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يقول أحمد.
وقال الترمذي: وفي الباب: عن ابن عباس وجابر وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم. قلت: حديث ابن عمر أخرجه الترمذي في كتاب العلل: حدثنا محمد بن عمرو المقدمي عن زياد بن جبير عن ابن عمر، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة)، وحديث جابر أخرجه ابن ماجة عن أبي سعيد الأشج عن حفص بن غياث وأبي خالد عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا بأس بالحيوان واحد باثنين يدا بيد وكرهه نسيئة). وحديث ابن عباس أخرجه الترمذي في العلل: حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا محمد بن حميد هو الأحمري عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة).
فإن قلت: قال البيهقي بعد تخريجه حديث سمرة: أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن من سمرة في غير حديث العقيقة؟ قلت: قول الحافظين الكبيرين الحجتين: الترمذي وعلي بن المديني، كاف في هذا، مع أنهما مثبتان، والبيهقي ينقل النفي فلا يفيد شيئا. فإن قلت: حديث ابن عمر قال فيه الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: إنما يروى عن زياد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»