عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٤٠
منهم الليث بن سعيد والحسن بن حي وبعض الشافعية إلى كراهة التصوير مطلقا، سواء كانت على الثياب أو على الفرش والبسط ونحوها، واحتجوا بعموم قوله، صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب)، رواه أبو داود من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، وقوله، صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة)، أخرجه مسلم من حديث ابن عباس عن أبي طلحة، وأخرجه الطحاوي والطبراني نحوه من حديث أبي أيوب عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أبي سلمة عن عائشة، رضي الله تعالى عنها: (أن جبريل، عليه الصلاة والسلام، قال لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: إنا لا ندخل بيتا فيه صورة). وأخرجه مسلم مطولا. وأخرج الطحاوي أيضا من حديث عائشة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام ستر فيه صورة فهتكه، ثم قال: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله تعالى). وأخرجه مسلم بأتم منه. وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة. وأخرجه الطبراني مطولا. وأخرج الطحاوي أيضا من حديث أبي الزبير: قال: سألت جابرا عن الصور في البيت وعن الرجل يفعل ذلك؟ فقال: زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وخالف الآخرون هؤلاء المذكورين، وهم النخعي والثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية، وقالوا: إذا كانت الصور على البسط والفرش التي توطأ بالأقدام فلا بأس بها، وأما إذا كانت على الثياب والستائر ونحوهما، فإنها تحرم، وقال أبو عمر: ذكر ابن القاسم: قال: كان مالك يكره التماثيل في الأسرة والقباب، وأما البسط والوسائد والثياب فلا بأس به. وكره أن يصلي إلى قبة فيها تماثيل. وقال الثوري: لا بأس بالصور في الوسائد لأنها توطأ ويجلس عليها، وكان أبو حنيفة وأصحابه يكرهون التصاوير في البيوت بتمثال، ولا يكرهون ذلك فيما يبسط، ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة، وكذلك عندهم ما كان خرطا أو نقشا في البناء.
وقال المزني عن الشافعي: وإن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح، أو صورا ذات أرواح، لم يدخل إن كانت منصوبة، وإن كانت توطأ فلا بأس، وإن كانت صورة الشجر. وقال قوم: إنما كره من ذلك ما له ظل وما لا ظل له فليس به بأس. وقال عياض: وأجمعوا على منع ما كان له ظل، ووجوب تغييره إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات، والرخصة في ذلك، وكره مالك شراء ذلك لابنته، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب للبنات منسوخ، وقال القرطبي: واستثنى بعض أصحابنا من ذلك ما لا يبقى كصور الفخار والشمع وما شاكل ذلك، وهو مطالب بدليل التخصيص، وكانت الجاهلية تعمل أصناما من العجوة، حتى إن بعضهم جاع فأكل صنمه. قلت: بنو باهلة كانوا يصنعون الأصنام من العجوة، فوقع فيهم الغلاء فأكلوها وقالوا: بنو باهلة أكلوا آلهتهم.
وحجة المخالفين لأهل المقالة الأولى حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي نمط لي فيه صورة، فوضعته على سهوتي، فاجتذبه، فقال: لا تستروا الجدار. قالت: فصنعته وسادتين. أخرجه الطحاوي وأخرجه مسلم بأتم منه، والنمط بفتح النون والميم، هو ضرب من البسط له خمل رقيق ويجمع على أنماط. والسهوة، بالسين المهملة بيت صغير منحدر في الأرض قليلا، شبيه بالمخدع والخزانة. وقيل: هو كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل: شبيه بالرف والطاق يوضع فيه الشيء، والوسادة المخدة.
وأجابوا عن الأحاديث التي مضت بأنا عملنا بها على عمومها، وعملنا بحديث عائشة أيضا وبأمثاله التي رويت في هذا الباب فيما إذا كانت الصور مما كان يوطأ ويهان، فإذن نحن عملنا بأحاديث الباب كلها بخلاف هؤلاء فإنهم عملوا ببعضها وأهملوا بعضها.
وفيه: ما قاله القرطبي: يستفاد من قوله: (وليس بنافخ) جواز التكليف بما لا يقدر عليه، قال: ولكن ليس مقصود الحديث التكليف، وإنما المقصود منه تعذيب المكلف وإظهار عجزه عما تعاطاه مبالغة في توبيخه وإظهار قبح فعله.
قال أبو عبد الله سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد أبو عبد الله هو البخاري، رحمه الله، والنضر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة: هو النضر بن أنس بن مالك البخاري
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»