عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٩٣
العنبري وقال: هذا حديث حسن غريب، ورواه أحمد من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر، وزاد في أوله: يا أيها الناس اتقوا الظلم... وفي رواية: وإياكم والظلم، وأخرجه مسلم أيضا من حديث جابر بلفظ: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح... الحديث.
وقال ابن الجوزي: الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير حق، ومبارزة الآمر بالعدل بالمخالفة، وهذه أدهى، لأنه لا يكاد يقع الظلم إلا للضعيف الذي لا ناصر له غير الله، وإنما ينشأ من ظلمة القلب، لأنه لو استنار بنور الهدي لنظر في العواقب. وقال المهلب: الذي يدل عليه القرآن: أنها ظلمات على البصر حتى لا يهتدي سبيلا، قال الله تعالى في المؤمنين: * (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) * (الحديد: 21). وقال في المنافقين: * (انظرونا نقتبس من نوركم) * (الحديد: 31). فأثاب الله المؤمن بلزوم نور الإيمان لهم، ولذذهم بالنظر إليه، وقوى به أبصارهم، وعاقب الكفار والمنافقين بأن أظلم عليهم ومنعهم لذة النظر إليه. وقال القزاز: الظلم هنا الشرك، أي: هو عليهم ظلام وعمى، ومن هذا زعم بعض اللغويين أن اشتقاق الظلم من الظلام، كأن فاعله في ظلام عن الحق، والذي عليه الأكثرون أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، كما ذكرناه عن قريب.
9 ((باب الإتقاء والحذر من دعوة المظلوم)) أي: هذا باب في بيان الاتقاء أي: الاجتناب والخوف والحذر من دعوة المظلوم لأنها لا ترد.
8442 حدثنا يحياى بن موساى قال حدثنا وكيع قال حدثنا زكرياء بن إسحاق المكي عن يحياى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلاى اليمن فقال اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب..
مطابقته للترجمة في قوله: (اتق دعوة المظلوم). والحديث مضى في أواخر كتاب الزكاة في: باب أخذ الصدقة من الأغنياء. فإنه أخرجه هناك بأتم منه: عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن زكرياء بن إسحاق... إلى آخره، وأخرجه هنا: عن يحيى بن موسى ابن عبد ربه أبي زكرياء السختياني الحداني البلخي الذي يقال له: خت، عن وكيع بن الجراح عن زكرياء... إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى. قوله: (فإنها) أي: فإن دعوة المظلوم. ويروى: فإنه أي: فإن الشأن ليس بين دعوة المظلوم وبين الله حجاب، ومعنى عدم الحجاب أنها مجابة، وقد جاء في حديث آخر مفسرا دعوة المظلوم مجابة وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه، رواه ابن أبي شيبة عن أبي هريرة مرفوعا.
01 ((باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له هل يبين مظلمته)) أي: هذا باب في بيان من كانت له مظلمة، أي: المأخوذ بغير حق عند الرجل، ويروى: عند رجل. قوله: (هل يبين مظلمته؟) أي: هل يحتاج إلى بيان تلك المظلمة حتى يصح التحليل؟ وفيه خلاف، فلذلك لم يذكر جواب: هل.
9442 حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا ابن أبي ذئب قال حدثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. (الحديث 9442 طرفه في: 4356).
مطابقته للترجمة تؤخذ من معنى الحديث، فإنه أعم من أن يبين قدر ما يتحلل به، أو لا يبين، وهذا يقوي قول من قال بصحة الإبراء المجهول، ورجاله قد ذكروا غير مرة، وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن، رضي الله تعالى عنه. والحديث من أفراده.
ذكر معناه: قوله: (من كانت له)، قال بعضهم: اللام فيه بمعنى، على، أي: من كانت عليه مظلمة لأخيه. قلت:
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»