عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٩٣
الأسئلة والأجوبة في أحاديث هذا الباب:
الأول: ما الحكمة في كون ابن عباس لم يوافق استئذان النبي صلى الله عليه وسلم له في أن يقدم في الشرب من هو أولى منه بذلك؟ وأجيب: بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بذلك بقوله: أترك له حقك، ولو أمره لأطاعه، فلما لم يقع منه إلا استئذانه له في ذلك فقط لم يفوت نفسه حظه من سؤر النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: ما الحكمة في كونه، صلى الله عليه وسلم، استأذن ابن عباس أن يعطي خالد بن الوليد، قبله، ولم يستأذن الأعرابي في أن يعطي أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، قبله؟ وأجيب: بأنه إنما استأذن الغلام دون الأعرابي إدلالا على الغلام، وهو ابن عباس، ثقة بطيب نفسه بأصل الأستئذان، والأشياخ أقاربه، وأما الأعرابي فلم يستأذنه مخافة من إيحاشه في استئذانه في صرفه إلى أصحابه، وربما سبق إلى قلب ذلك الأعرابي شيء يأنف به لقرب عهده بالجاهلية.
الثالث: هل من سبق إلى مجلس عالم أو كبير أو إلى موضع من المسجد أو إلى موضع مباح فهو أحق به ممن يجيء بعده أم لا؟ أجيب: بأن الحكمة حكم الشرب، في أن القاعد على اليمين أحق، كائنا من كان، فكذلك هنا السابق أحق كائنا من كان، ولا يقام أحد من مجلس جلسه.
2 ((باب من قال إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى)) أي: هذا باب في بيان قول من قال... إلى آخره. قوله: (يروى)، بفتح الواو: من الري، وقال ابن بطال: لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع فضل الماء هذا تعليل للترجمة، ووجهه أن منع فضل الماء إنما يتوجه إذا فضل عن حاجة صاحبه، فهذا يدل على أنه أحق بمائه عند عدم الفضل، والمراد من: حاجة صاحبه، حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته، وهذا في غير الماء المحرز في الإناء، فإن المحرز فيه لا يجب بذل فضله إلا للمضطر، وهو الصحيح. ثم قوله: (لا يمنع) على صيغة المجهول، وبالرفع لأنه نفي بمعنى النهي، وذكر عياض أنه في رواية أبي ذر بالجزم بلفظ النهي، وهذا التعليق وصله البخاري عقيبه، كما يجيىء الآن.
3532 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ.
مطابقته للترجمة من حيث إن منع فضل الماء يدل على أن صاحب الماء أحق به عند عدم الفضل، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث أخرجه البخاري في ترك الحيل عن إسماعيل. وأخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى. وأخرجه النسائي في إحياء الموات عن محمد بن سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم، أربعتهم عن مالك به. وأخرجه أبو داود من رواية جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ البخاري، وكذلك الترمذي من حديث قتيبة عن الليث عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وأخرجه ابن ماجة من رواية سفيان عن أبي الزناد بلفظ: لا يمنع أحدكم فضل الماء يمنع به الكلأ. وفي لفظ بهذا الإسناد: ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار. وأخرج ابن ماجة أيضا من رواية حارث عن عمرة عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يمنع فضل الماء ولا يمنع نفع البئر. وأخرج أحمد في (مسنده): حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من منع فضل مائه أو فضل كلائه منعه الله عز وجل فضله. وأخرج أبو يعلى في (مسنده) من حديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من منع فضل مائه منعه الله فضله يوم القيامة. وروى ابن مردويه في (تفسيره) من رواية مكحول عن واثلة بن الأسقع، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا عباد الله فضل الماء ولا كلأ ولا نارا فإن الله جعلها متاعا للموقين وقوة للمستضعفين.
ذكر معناه: قوله: (لا يمنع)، على صيغة المجهول. قوله: (ليمنع به)، اللام هذه، وإن كان النحاة يقولون إنها لام كي
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»