عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٩٠
1 ((باب في الشرب)) أي: هذا باب في بيان أحكام الشرب، وقد مر تفسير الشرب عن قريب.
ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسوما كان أو غير مقسوم أي: في بيان من رأى... إلى آخره، قال بعضهم: أراد البخاري بالترجمة الرد على من قال: إن الماء لا يملك. قلت: من أين يعلم أنه أراد بالترجمة الرد على من قال: إن الماء لا يملك، ويحتمل العكس، وأيضا فقوله: إن الماء لا يملك، ليس على الإطلاق، لأن الماء على أقسام: قسم منه لا يملك أصلا، وكل الناس فيه سواء في الشرب وسقي الدواب وكري النهر منه إلى أرضه، وذلك كالأنهار العظام مثل النيل والفرات ونحوهما، وقسم منه يملك، وهو الماء الذي يدخل في قسمة أحد إذا قسمه الإمام بين قوم، فالناس فيه شركاء في الشرب وسقي الدواب دون كري النهر، وقسم منه يكون محرزا في الأواني كالجباب والدنان والجرار ونحوها، وهذا مملوك لصاحبه بالإحراز، وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ حتى لو أتلفه رجل يضمن قيمته، ولكن شبهة الشركة فيه باقية بقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون شركاء في الثلاث: الماء والكلأ والنار)، رواه ابن ماجة من حديث ابن عباس، ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمر، ورواه أبو داود عن رجل من الصحابة وأحمد في (مسنده) وابن أبي شيبة في (مصنفه) والمراد شركة إباحة لا شركة ملك، فمن سبق إلى أخذ شيء منه في وعاء أو غيره وأحرزه فهو أحق به، وهو ملكه دون سواه، لكنه لا يمنع من يخاف على نفسه من العطش أو مركبه، فإن منعه يقاتله بلا سلاح، بخلاف الماء الثاني فإنه يقاتله فيه بالسلاح.
قوله: (من رأى صدقة الماء) إلى آخره لم يبين المراد منه: هل هو جائز أم لا؟ وظاهر الكلام يحتمل الجواز وعدمه، ولكن فيه تفصيل، وهو: أن الرجل إذا كان له شرب في الماء وأوصى أن يسقي منه أرض فلان يوما أو شهرا أو سنة أجيزت من الثلث، فإن مات الموصى له بطلت الوصية بمنزلة ما إذا أوصى بخدمة عبده لإنسان فمات الموصى له بطلت الوصية، وإذا أوصى ببيع الشرب وهبته أو صدقته، فإن ذلك لا يصح للجهالة أو للغرر فإنه على خطر الوجود لأن الماء يجيء وينقطع، وكذا لا يصح أن يكون مسمى في النكاح حتى يجب مهر المثل ولا بدل الصلح عن الدعوى، ولا يباع الشرب في دين صاحبه بدون أرض بعد موته، وكذا في حياته، ولو باع الماء المحرز في إناء أو وهبه لشخص أو تصدق به فإنه يجوز، ولو كان مشتركا بينه وبين آخر فلا يجوز قبل القسمة، فافهم، هذه الفوائد التي خلت عنها الشروح.
وقال عثمان قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين فاشتراها عثمان رضي الله تعالى عنه أي: قال عثمان بن عفان، رضي الله تعالى عنه، وهذا التعليق سقط من رواية النسفي، ووصله الترمذي: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد هو ابن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره، ثم قال: أذكركم بالله! هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد؟ قالوا: نعم. قال: أذكركم بالله! هل تعلمون أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال في جيش العسرة: من ينفق نفقة متقبلة؟ والناس مجهدون معسرون فجهزت ذلك الجيش؟ قالوا: نعم، ثم قال: أذكركم بالله هل تعلمون أن بئر رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بثمن فابتعتها فجعلتها للغني والفقير وابن السبيل؟ قالوا: نعم. وأشياء عدها). ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان، رضي الله تعالى عنه. قوله: (بئر رومة) بإضافة: بئر، إلى: رومة، بضم الراء وسكون الواو وبالميم. ورومة علم على صاحب البئر، وهو رومة الغفاري. وقال ابن بطال: بئر رومة كانت ليهودي، وكان
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»