عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٩٦
والحديث أخرجه البخاري في الأشخاص وفي الشهادات عن محمد بن سلام، وفي الأشخاص أيضا عن بشر بن خالد، وفي النذور عن موسى، وفي التفسير عن حجاج بن المنهال، وفي الشركة عن قتيبة، وفي النذور أيضا عن بندار، وفي الأحكام عن إسحاق بن نصر، وأخرجه مسلم في الأيمان عن أبي بكر وإسحاق وابن نمير، ثلاثتهم عن وكيع وعن ابن نمير عن أبيه وعن إسحاق عن جرير بهوأخرجه أبو داود في الإيمان والنذور عن محمد بن عيس وأخرجه الترمذي في البيوع وفي التفسير عن هنا. وأخرجه النسائي في القضاء عن هناد وفي التفسير عن الهيثم بن أيوب وعن محمد بن قدامة، ولم يذكر حديث عبد الله. وأخرجه ابن ماجة في الأحكام عن محمد بن عبد الله وعلي بن محمد، وفي بعض الألفاظ اختلاف.
ذكر معناه: قوله: (يقتطع بها)، أي: باليمين أي: بسببها، ومعنى يقتطع: يأخذ قطعة بسبب اليمين من مال امرئ. قوله: (هو عليها فاجر)، أي: كاذب، وهي جملة اسمية وقعت حالا بلا واو، كما في قولك: كلمته فوه إلى في. قوله: (لقي الله تعالى)، يعني: يوم القيامة. قوله: (وهو عليه غضبان)، جملة اسمية وقعت حالا على الأصل. قال ابن العربي: يعني بالغضب، إرادة عقوبة أو عقوبة نفسها، إذ يعبر بالغضب عن الوجهين جميعا، وإذا لقيه وهو يريد عقابه أو قد عاقبه جاز بعد ذلك أن لا يريد عقابه وأن يدفع عنه تماديه إن كان أنزله به، بشرط أن لا يكون متعلق إرادته عذاب واصب. وقال شيخنا: الظاهر أن المراد بغضب الله معاملته بمعاملة المغضوب عليه من كونه لا ينظر إليه ولا يكلمه، كما ثبت في (الصحيحين) من حديث أبي هريرة مرفوعا: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، فذكر منهم: ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم...) الحديث، وأما كون المراد بالغضب إرادة العقوبة أو العقوبة نفسها فإنه يرده ما رواه الحاكم في (المستدرك) من حديث الأشعث بن قيس مرفوعا: من حلف على يمين صبرا ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله تعالى يوم القيامة وهو مجتمع عليه غضبا، عفا الله عنه أو عاقبه). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، فهذا يدل على أنه لم يرد بالغضب إرادة العقوبة أو العقوبة، لأنه لو أراد عقوبته لوقعت العقوبة على وفق الإرادة.
ذكر اختلاف الألفاظ فيه: ففي حديث ابن مسعود والأشعث بن قيس ومعقل بن يسار: لقي الله وهو عليه غضبان، وفي بعض طرق حديث الأشعث: لقي الله وهو أجذم، وفي رواية عمران بن حصين والحارث بن برصاء وجابر بن عبد الله: فليتبوأ مقعده من النار، وفي حديث أبي أمامة وجابر بن عتيك: أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة. وفي حديث أبي سودة: إن ذلك يعقم الرحم، وفي حديث سعيد بن زيد: إنه لا يبارك له فيها، وفي حديث ثعلبة بن صد مغيرة: نكتة سوداء في قلبه، وكذلك في حديث عبد الله بن أنيس. فإن قلت: ما التوفيق بين هذه الروايات؟ قلت: لا منافاة بين شيء من ذلك، فقد يجتمع له جميع ذلك كله نعوذ بالله منه وإنما يشكل منه رواية: حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار، فيحمل ذلك على المستحل لذلك، أو على تقدير: أن ذلك جزاؤه إن جازاه، كما في قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) * (النساء: 39). والله أعلم.
ذكر بيان من خرج هذه الأحاديث: أما حديث ابن مسعود فقد مضى الآن. وأما حديث الأشعث بن قيس ففي حديث ابن مسعود، وأخرجه بقية الأئمة. وأما حديث معقل بن يسار فأخرجه النسائي من رواية شعبة عن عياض عن أبي خالد، قال: رأيت رجلين يختصمان عند معقل بن يسار، فقال معقل: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين ليقتطع بها مال رجل لقي الله وهو عليه غضبان)، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا الإسناد. وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أبو داود من رواية محمد بن سيرين عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار)، وأخرجه الحاكم في (المستدرك) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ. وأما حديث الحارث بن برصاء فأخرجه الحاكم من رواية عبيد بن جريج عن الحارث بن برصاء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اقتطع مال أخيه المسلم بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار، ليبلغ شاهدكم غائبكم، مرتين أو ثلاثا). وقال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا السياق. وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية عبد الله بن نسطاس عن جابر
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»