عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٢١
أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا) وفي الشهادات: فبسط يده ثلاث مرات. قوله: (عدة) أي: وأصل عدة وعد، فلما حذفت الواو عوضت عنها الياء في آخره فوزنه على هذا علة. قوله: (فحثى لي حثية)، بفتح الحاء المهملة، والحثية ملء الكف، وقال ابن قتيبة: هي الحفنة. وقال ابن فارس: هي ملء الكفين والفاء في: فحثى، عطف على محذوف تقديره: خذ هكذا، وأشار بيديه، وفي الواقع هو تفسير لقوله: خذ هكذا. قوله: (وقال خذ مثليها)، أي: قال أبو بكر: خذ أيضا مثلي خمسمائة، فالجملة ألف وخمسمائة، وذلك لأن جابرا لما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: كذا وكذا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، ثلاث مرات، حثى له أبو بكر حثية، فجاءت خمسمائة، ثم قال: خذ مثليها، ليصير ثلاث مرات تنفيذا لما وعده النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: هكذا، ثلاث مرات، وكان ذلك وعدا من النبي، صلى الله عليه وسلم، وكان من خلقه الوفاء بالعهد، ونفذه أبو بكر بعد وفاته، صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: وفيه: قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو جر ذلك نفعا لنفسه، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهدا على صحة دعواه. انتهى. قلت: إنما لم يلتمس شاهدا منه لأنه عدل بالكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * (آل عمران: 01). * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 341). فمثل جابر إن لم يكن من خير أمة فمن يكون. وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا..) الحديث، ولا يظن ذلك لمسلم. فضلا عن صحابي، فلو وقعت هذه المسألة اليوم فلا تقبل إلا ببينة. وقال هذا القائل أيضا: ويحتمل أن يكون أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، علم بذلك فقضى له بعلمه فيستدل به على جواز مثل ذلك للحاكم. انتهى.
قلت: هذا الباب فيه تفصيل وليس على الإطلاق، لأن علم القاضي على أنواع.
منها: ما يعلم به قبل البلوغ وقبل الولاية من الأقوال التي يسمعها والأفعال التي يشاهدها. ومنها: ما يعلمها بعد البلوغ قبل الولاية. ومنها: ما يعلمه بعد الولاية ولكن في غير عمله الذي وليه. ومنها: ما يعلمه بعد الولاية في عمله الذي وليه. ففي الفصل الأول: لا يقضي بعلمه مطلقا. وفي الفصل الثاني: خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، فعند أبي حنيفة: لا يقضي، وعندهما: يقضي إلا في الحدود والقصاص، وعن الشافعي قولان، وفي الثاني: لا يقضي أيضا، وفي الرابع: يقضي بلا خلاف. وقال ابن التين: في الحديث جواز هبة المجهول والآبق والكلب، وفي (حاوي) الحنابلة: وتصح هبة المشاع، وإن تعذرت قسمته، وفي (الروضة) للشافعية: تجوز هبة المشاع سواء المنقسم أو غيره، وساء وهبه للشريك أو غيره، ويجوز هبة الأرض المزروعة مع زرعها ودون زرعها وعكسه. انتهى، وعندنا: لا تجوز الهبة فيما لا يقسم إلا محوزة أي: مفرغة عن أملاك الواهب حتى لا تصح هبة الثمر على الشجر والزرع على الأرض بدون الشجر والأرض، وكذا العكس، وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة.
وفيه: العدة، فجمهور العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد على أن إنجاز العدة مستحب، وأوجه الحسن وبعض المالكية، وقد استدل بعض الشافعية بهذا الحديث على وجوب الوفاء بالوعد في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم زعموا أنه من خصائصه، ولا دلالة فيه أصلا لا على الوجوب ولا على الخصوصية.
((باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده)) أي: هذا باب في بيان جوار أبي بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه، بضم الجيم وكسرها والمراد به: الزمام والأمان. قوله: (في عهد النبي، صلى الله عليه وسلم)، أي: في زمنه. قوله: (وعقده) أي: عقد أبي بكر، رضي الله تعالى عنه.
7922 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل قال ابن شهاب فأخبرني عروة ابن الزبير أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين. وقال أبو صالح حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني عروة بن
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»