عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٦
والقفة والزبيل سواء، وسمي الزبيل لحمل الزبل فيه، قاله ابن دريد، والزبيل، بكسر الزاي ويقال بفتحها، وكلاهما لغتان وفي (المحكم) الزبيل: الجراب، وقيل:
الوعاء يحمل فيه، والزبيل القفة، والجمع: زبل وزبلان. وفي (الصحاح): الزبيل معروف فإذا كسرته شددته، فقلت: زبيل، لأنه ليس في كلام العرب: فعليل، بالفتح وجاء فيه لغة أخرى وهي: زنبيل، بكسر الزاي وسكون النون، قال بعضهم: وقد تدغم النون فتشدد الياء مع بقاء وزنه، وجمعه على اللغات الثلاث: زنابيل. قلت: ليس جمعه على اللغتين الأوليين إلا ما نقلنا عن (المحكم): وأما: زنابيل، فليس إلا جمع المشدد فقط. قوله: (يدعى العرق)، ذكر أبو عمر أنه بفتح الراء وهو الصواب عند أهل اللغة، قال: و أكثرهم يروونه بسكون الراء، وفي (شرح الموطأ) لابن حبيب: رواه مطرف عن مالك بتحريك الراء، وقال ابن التين في رواية أبي الحسن بسكون الراء، ورواية أبي ذر بفتحها، وأنكر بعض العلماء إسكان الراء، وفي كتاب (العين): العرق مثال شجر، والعرقات كل مضفور أو مصطف، والعرق أيضا السقيفة من الخوص قبل أن يجعل منها زنبيلا، وسمي: الزنبيل: عرقا لذلك، ويقال: العرقة أيضا، وعن أبي عمر: والعرق أكبر من المكتل، والمكتل أكبر من القفة، والعرقة زنبيل من قد بلغه كلب ذكره في (الموعب)، وفي (المحكم): العرق واحدته: عرقة، قال أحمد بن عمران: العرق المكتل العظيم. قوله: (أين المحترق؟) يدل على أنه كان عامدا، لأنه صلى الله عليه وسلم أثبت له حكم العمد، وأثبت له هذا الوصف إشارة إلى أنه لو أصر غير ذلك لاستحق ذلك. قوله: (تصدق بهذا)، مطلق، والمراد تصدق على ستين مسكينا، هكذا رواه مختصرا، ورواه مسلم، وقال: حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر، قال: أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير (عن عائشة، قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احترقت! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم قال: وطئت امرأتي في رمضان نهارا. قال: تصدق. قال: ما عندي شيء، فأمره أن يجلس، فجاءه عرقان فيهما طعام، فأمره أن يتصدق بهما). وفي رواية أخرى: (أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله! احترقت احترقت؟ فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شأنك؟ فقال: أصبت أهلي! فقال: تصدق، فقال: والله يا نبي الله ما لي شيء، وما أقدر عليه. قال: إجلس، فجلس فبينما هو كذلك أقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين المحترق آنفا؟ فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا، فقال: يا رسول الله! أغيرنا؟ فوالله إنا لجياع ما لنا شيء. قال: كلوه). وأخرجه أبو داود أيضا.
ذكر ما يستفاد منه ومن الحديثين اللذين يأتيان بعده، وغيرها من الأحاديث التي في هذا الباب، وهو على أنواع: النوع الأول: أن قوما استدلوا بقوله: (تصدق بهذا) على أن الذي يجب على من جامع في نهار رمضان عامدا الصدقة لا غير. وقال صاحب (التوضيح): وذكر الطحاوي عن هؤلاء القوم هكذا، ولم يبين من هم. قلت: هم عوف بن مالك الأشجعي، ومالك في رواية وعبد الله بن رهم فإنهم قالوا في هذا: تجب عليه الصدقة ولا تجب عليه الكفارة، واحتجوا في ذلك بظاهر حديث المحترق، وأجيب: بأن حديث أبي هريرة الذي يأتي في الكتاب زاد فيه: العتق والصيام، والأخذ به أولى، لأن أبا هريرة حفظ ذلك ولم تحفظه عائشة، ويقال: إنها لم تجب عليه في الحال لعجزه عن الكل. وأخرت إلى زمن الميسرة. وفي (المبسوط): وما أمره به صلى الله عليه وسلم كان تطوعا لأنها لم تكن واجبة عليه في الحال لعجزه، ولهذا أجاز صرفها إلى نفسه وعياله، وعن أبي جعفر الطبري: أن قياس قول أبي حنيفة والثوري وأبي ثور: إن الكفارة دين عليه لا تسقط عنه لعسرته، وعليه أن يأتي بها إذا أيسر، كسائر الكفارات، وعند الشافعية: فيه وجهان، وذهب بعضهم إلى أن إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل أكل الكفارة لعسرته رخصة له، ولهذا قال ابن شهاب: ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير، وقيل: هو منسوخ، وقيل: هو خاص بذلك الرجل، وقال بعض أصحابنا: خص هذا الرجل بأحكام ثلاثة: بجواز الإطعام مع القدرة على الصيام وصرفه على نفسه، والاكتفاء بخمسة عشر صاعا.
النوع الثاني: لو أنهم اختلفوا في كمية هذه الصدقة، فقال الشافعي ومالك: إن الواجب فيها مد، وهو ربع صاع لكل مسكين، وهو خمسة عشر صاعا، لما روى أبو داود من رواية هشام بن سعد عن الزهري عن أبي هريرة، وفيه: (فأتي بعرق
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»