عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٣١
ووثقه يحيى بن معين، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، فيما تفرد به وشورك فيه، متقن صدوق فقيه مأمون. وقال العجلي: ثقة صاحب سنة وكان نبيلا، طلبوه للقضاء غير مرة فأبى. وقال ابن سعد: كان صدوقا صاحب حديث ورأي وفقه، مات سنة أحد عشرة ومائتين.
قوله: (قال: مالك؟) بفتح اللام وهو استفهام عن حاله، وفي رواية عقيل: (ويحك! ما شأنك؟) ولابن أبي حفصة: (وما الذي أهلكك وما ذاك؟) وفي رواية الأوزاعي: (ويحك! ما صنعت؟) أخرجه البخاري في الأدب، وفي رواية الترمذي: (وما الذي أهلكك؟) وكذا في رواية الدارقطني. قوله: (وقعت على امرأتي) وفي رواية ابن إسحاق: (أصبت أهلي)، وفي حديث عائشة: (وطئت امرأتي). قوله: (وأنا صائم) جملة وقعت حالا من الضمير الذي في وقعت. فإن قلت: من أين يعلم أنه كان صائما في رمضان حتى يترتب عليه وجوب الكفارة؟ قلت: وقع في أول هذا الحديث في رواية مالك وابن جريج (أن رجلا أفطر في رمضان...) الحديث، ووقع أيضا في رواية عبد الجبار بن عمر: (وقعت على أهلي اليوم، وذلك في رمضان). وفي رواية ساق مسلم إسنادها وساق أبو عوانة في (مستخرجه) متنها أنه قال: (أفطرت في رمضان)، وبهذا يرد على القرطبي في دعواه تعدد القصة، لأن مخرج الحديث واحد، والقصة واحدة، ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عن سعيد بن منصور: (أصبت امرأتي ظهرا في رمضان)، وبتعيين رمضان، يفهم الفرق في وجوب كفارة الجماع في الصوم بين رمضان وغيره من الواجبات كالنذر، وبعض المالكية أوجبوا الكفارة على من أفسد صومه مطلقا، واحتجوا بظاهر هذا الحديث، ورد عليهم بالذي ذكرناه الآن. قوله: (هل تجد رقبة تعتقها؟) وفي رواية منصور: (أتجد ما تحرر رقبة). وفي رواية ابن أبي حفصة: (أتستطيع أن تعتق رقبة؟) وفي رواية إبراهيم بن سعد والأوزاعي: (فقال: أعتق رقبة). وزاد في رواية عن أبي هريرة: (فقال: بئس ما صنعت! أعتق رقبة). وفي حديث عبد الله بن عمر، أخرجه الطبراني في (الكبير): (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أفطرت يوما من رمضان، فقال: من غير عذر ولا سقم؟ قال: نعم. قال: بئس ما صنعت. قال: أجل، ما تأمرني؟ قال: أعتق رقبة). قوله: (قال: لا) أي: قال الرجل: لا أجد رقبة، وفي رواية ابن مسافر: (فقال: لا والله يا رسول الله). وفي رواية ابن إسحاق: (ليس عندي)، وفي حديث ابن عمر: (فقال: والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط). قوله: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين؟) قال القرطبي أي: تقوى وتقدر؟ وفي حديث سعد: (قال: لا أقدر) وفي رواية ابن إسحاق: (وهل لقيت ما لقيت إلا من الصيام؟) وقال الشيخ تقي الدين: رواية ابن إسحاق هذه تقتضي أن عدم استطاعته شدة شبقه وعدم صبره عن الوقاع، فهل يكون ذلك عذرا في الانتقال عن الصوم إلى الإطعام حتى يعد صاحبه غير مستطيع للصوم أم لا؟ والصحيح عند الشافعية اعتبار ذلك، فيسوغ له الانتقال إلى الإطعام، ويلتحق به من يجد رقبة، وهو غير مستغن عنها، فإنه يسوغ له الانتقال إلى الصوم مع وجودها لكونه في حكم غير الواجد. انتهى. قلت: في هذا كله نظر لأن الشارع رتب هذه الخصال بالفاء التي هي للترتيب والتعقيب، فكيف ينقض هذا؟ قوله: (متتابعين) فيه اشتراط التتابع، وقد مر الكلام فيه. قوله: (فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا). وزاد في رواية ابن مسافر: (يا رسول الله..) ووقع في رواية سفيان: (هل تستطيع إطعام ستين مسكينا؟) ووقع في رواية إبراهيم بن سعد وعراق بن مالك: (فأطعم ستين مسكينا؟ قال: لا أجد)، وفي رواية ابن أبي حفصة: (أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا). وذكر الحاجة، وفي حديث ابن عمر، قال: (والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي!) وقال ابن دقيق العيد: أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين، فلا يكون ذلك موجودا في حق من أطعم ستة مساكين عشرة أيام مثلا، ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الإجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينا واحدا في ستين يوما كفى. قلت: هؤلاء الذين يشتغلون بالحنفية يحفظون شيئا وتغيب عنهم أشياء، أفلا يعلمون أن المراد ههنا سد خلة الفقير؟ فإذا وجد ذلك مع مراعاة معنى الستين، فلا طعن فيه، ثم المراد من الإطعام الإعطاء لهم بحيث يتمكنون من الأكل، وليس المراد حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في فم الآكل. فإن قلت: ما الحكمة في هذه الخصال الثلاثة وما المناسبة بينهما؟ قلت: الذي انتهك حرمة الصوم بالجماع عمدا في نهار رمضان، فقد أهلك نفسه بالمعصية، فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه، بها، وثبت في (الصحيح) (أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»