عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٤٠
عليه وسلم، أنكر مسألته فلما رأوه يسأل عنه سؤال راض علموا أنه حمده، فقال: إنه لا يأتي الخير بالشر، أي: إن ما قضى الله أن يكون خيرا يكون خيرا، وما قضاه أن يكون شرا يكون شرا، وأن الذي خفت عليكم: تضييعكم نعم الله، وصرفكم إياها في غير ما أمر الله، ولا يتعلق ذلك بنفس النعمة ولا ينسب إليها، ثم ضرب لذلك مثلا فقال: (وإن مما ينبت الربيع..) إلى آخره، ينبت، بضم الياء من الإنبات. قوله: (يقتل أو يلم)، قال القزاز: هذا حديث جرى فيه البخاري على عادته في الاختصار والحذف، لأن قوله (فرأينا أنه ينزل عليه) يريد الوحي، وفي قوله: (وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم) حذف: ما، أي كلمة: ما، قبل: يقتل، وحذف: حبطا، والحديث: (إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم)، فحذف: حبطا، وحذف: ما. قال القزاز: وروينا بهما، وفي نسخة صاحب (التلويح) لفظا: حبطا، موجود، وغالب النسخ ليس فيه. وقال الخطابي: سقط في الكلام من ا لرواية: ما، وتقديره: ما يقتل. قلت: لا بد من تقدير كلمة: ما، لأن قوله: (ينبت الربيع)، فعل وفاعل ولا يصلح أن يكون لفظ: يقتل، مفعولا إلا بتقدير: ما، وقوله: (حبطا)، بفتح الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة، وانتصابه على التمييز، وهو داء يصيب الإبل، وقال ابن سيده: هو وجع يأخذ البعير في بطنه من كلاء يستوبله، وقد حبط حبطا فهو حبط، وإبل حباطي وحبطة، وحبطت الشاة حبطا: انتفخ بطنها عن أكل الدرق، وذلك الداء الحباط. قوله: (أو يلم) من الإلمام أي: أو يقرب ويدنو من الهلاك. قوله: (إلا آكلة الخضر)، بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين وفي آخره راء، ووقع في رواية العذري: (إلا آكلة الخضرة)، بالتاء في آخره. وعند الطبري: (الخضرة)، بضم الخاء وسكون الضاد، وفي رواية الحموي: الخضراء، بزيادة ألف قبل الاستثناء مفرغ، والأصل: مما ينبت الربيع ما يقتل آكله إلا آكلة الخضر، وإنما صح الاستثناء المفرغ لقصد التعميم فيه، ونظيره: قرأت إلا يوم كذا. وقال الطيبي: والأظهر أن الاستثناء منقطع لوقوعه في الكلام المثبت، وهو غير جائز عند صاحب (الكشاف) إلا بالتأويل، ولأن ما يقتل حبطا بعض ما ينبت الربيع لدلالة: من، التبعيضية عليه، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا، لكن يجب التأويل في المستثننى، والمعنى: من جملة ما ينبت الربيع شيئا يقتل آكله إلا الخضر منه إذا اقتصد فيه آكله وتحرى دفع ما يؤديه إلى الهلاك. قوله: (فإنها) أي: فإن آكلة الخضر، قال الخطابي: الخضر ليس من أحرار البقول التي تستكثر منه الماشية فتهلكه أكلا، ولكنه من الجنبة التي ترعى الماشية منها بعد هيج العشب ويبسه، وأكثر ما تقول العرب لما اخضر من الكلاء الذي لم يصفر، والماشية من الإبل ترتع منها شيئا فشيئا، فلا تستكثر منه فلا تحبط بطونها عليه. قوله: (حتى إذا امتدت خاصرتاها) يعني: إذا امتلأت شبعا وعظم جنباها، والخاصرة: الجنب استقبلت الشمس لأنه الحين الذي تشتهي فيه الشمس، وجاءت وذهبت (فثلطت) بفتح الثاء المثلثة أي: ألقت السرقين، وقال ابن التين: ثلطت، ضبطه بعضهم بفتح اللام وبعضهم بكسرها، وفي (المحكم): ثلط الثور والبعير والصبي، يثلط ثلطا: سلح سلحا رقيقا. وفي (مجمع الغرائب): خرج رجيعها عفوا من غير مشقة لاسترخاء ذات بطنها فيبقى نفعها ويخرج فضولها ولا يتأذى بها. وفي (العباب) و (المغيث): وأكثر ما يقال للبعير والفيل. قوله: (ورتعت) أي: رعت، وارتع إبله أي: رعاها في الربيع، وأرتع الفرس وتربع: أكل الربيع، وقال الداودي: رتعت افتعل من الرعي قلت: ليس كذلك، ولا يقول هذا إلا من لم يمس شيئا من علم التصريف. قوله: (وإن هذا المال خضر)، بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، وإنما سمي الخضر خضرا لحسنه ولإشراق وجهه، والخضر عبارة عن الحسن، وهي من أحسن الألوان، ويروى: خضرة، بتاء التأنيث، والوجه فيه أن يقال: إنما أنث على معنى تأنيث المشبه به، أي: هذا المال شيء كالخضرة، وقيل: معناه كالبقلة الخضرة، أو يكون على معنى فائدة المال أي: الحياة به والمعيشة خضرة. وقال الطيبي: يمكن أن يعبر عن المال بالدنيا لأنه أعظم زينتي الحياة الدنيا، قال تعالى: * (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) * (الكهف: 64). وقال الخطابي يريدان صورة الدنيا حسنة المنظر موثقة تعجب الناظر ولذلك أنث اللفظين يعني خضرة حلوة وقال الكرماني: وله وجه آخر وهو أن تكون التاء للمبالغة، نحو: رجل راوية وعلامة. قوله: (ونعم صاحب المسلم...)، إلى آخره، يقول: إن من أعطي مالا وسلط على هلكته في الحق فأعطى من فضله المسكين وغيره، فهذا المال المرغوب فيه. قوله: (أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) شك من يحيى. قوله: (وإنه من يأخذه) أي: وإن المال من يأخذه بغير حقه، بأن جمعه من الحرام
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»