عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٩٦
من لم يكن ساق الهدي أن يحل) أي: من الحج إلى العمرة، وهذا هو فسخ الحج.
ورجاله قد ذكروا في: باب من سأل، في كتاب العلم، وعثمان هو ابن أبي شيبة، وجرير، بفتح الجيم: ابن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد خال إبراهيم وكلهم كوفيون.
والحديث أخرجه البخاري أيضا عن أبي النعمان عن أبي عوانة عن جرير، وأخرجه مسلم في الحج أيضا عن زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن جرير به. وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة به. وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن قدامة عن جرير به.
ذكر معناه: قوله: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم)، وكان خروجهم في أشهر الحج كما قد بينه في الحديث الذي مضى في الباب السابق. قوله: (ولا نرى)، بضم النون أي: ولا نظن، وقال ابن التين: ضبطه بعضهم بفتح النون وبعضهم بضمها، وقال القرطبي: كان هذا قبل أن يعلمن بأحكام الإحرام وأنواعه، وقيل:
يحتمل أن ذلك كان اعتقادها من قبل أن تهل ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد بقولها: لا نرى حكاية عن فعل غيرها من الصحابة، وهم كانوا لا يعرفون غيره، وزعم عياض أنها كانت أحرمت بالحج ثم أحرمت بالعمرة، ثم أحرمت بالحج، ويدل على أن المراد بقولها: لا نرى إلا الحج، من فعل غيرها، قوله: (فلما قدمنا تطوفنا بالبيت)، تعني بذلك: النبي صلى الله عليه وسلم والناس غيرها لأنها لم تطف بالبيت في ذلك الوقت لأجل حيضها، وفي رواية أبي الأسود عن عروة عن عائشة: (خرجنا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، مهلين بالحج) وفي رواية مسلم من طريق القاسم عنها: (لا تذكر إلا الحج) وفي رواية للبخاري أيضا كذلك، وقد مضت في كتاب الحيض، وله أيضا من هذا الوجه: (لبينا بالحج)، وظاهر هذا يقتضي أن عائشة كانت مع الصحابة أولا محرمين بالحج، لكن في رواية عروة عنها هنا: (فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج). فإن قلت: ما وجه هذا؟ قلت: يحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فيخرجون لا يعرفون إلا الحج، قالت: مهلين بالحج، ولا نرى إلا أنه الحج، ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم وجوه الإحرام وجوز لهم الاعتمار في أشهر الحج. فإن قلت: قد مر في كتاب الحيض أنها قالت: أهللت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فكنت فيمن تمنع ولم يسق الهدي؟ قلت: الجواب عنه ما قاله عياض الذي قد ذكرناه آنفا، وكذلك الجواب عن قولها: وكنت ممن أهل بعمرة، وقد مضى في كتاب الحيض، وسيأتي في المغازي، وادعى إسماعيل القاضي وغيره أن هذا غلط من عروة وأن الصواب رواية الأسود والقاسم وعروة عنها أنها أهلت بالحج مفردا، ورد عليه بأن قول عروة صريح أنها أهلت بعمرة، وقول الأسود وغيره عنها: لا نرى إلا الحج، فليس بصريح في إهلالها بحج مفرد، فالجمع بينهما بما ذكرناه، فلا يحتاج إلى تغليط عروة وهو أعلم الناس بحديثها. قوله: (أن يحل أي: بأن يحل من الحج، وهو بضم الياء من الإحلال، وهو الخروج من الإحرام، قال الكرماني: ويروى بأن يحل، بفتح الياء أي: يصير حلالا، والأول يناسب قولها: فأحللن، والثاني: يناسب قولها: فحل فإن قلت: قوله: (فأمر النبي، صلى الله عليه وسلم) الفاء فيه تقتضي التعقيب، فتدل على أن الأمر كان بعد الطواف مع أنه قد سبق الأمر بهذا؟ قلت: أجاب الكرماني أنه قال مرتين: قبل القدوم وبعده، فالثاني تكرار للأول وتأكيد له. قوله: ونساؤه لم يسقن) أي: نساء النبي صلى الله عليه وسلم لم يسقن الهدي، فلذلك أحللن قوله: (فلم أطف) قال الكرماني: هذا مناف لقوله: (تطوفنا)، ثم أجاب بقوله: المراد بلفظ الجمع الصحابة، وهذا تخصيص لذلك العام. قلت: قد ذكرنا أنها تعني النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، لأنها لم تطف ولم تدخل نفسها فيهم، فكيف يكون تخصيصا لذلك العام؟ ثم قال أيضا: فكيف صح حجها بدون الطواف؟ فأجاب بأنه ليس المراد طواف ركن الحج، بدليل قولها في حديث الباب السابق: (ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت). قوله: (ليلة الحصبة) أي: الليلة التي بعد ليالي التشريق التي ينزل الحجاج فيها في المحصب، والمشهور في الحصبة سكون الصاد، وجاء فتحها وكسرها، وهي أرض ذات حصى. قوله: (وأرجع أنا بحجة)، وفي رواية الكشميهني: (وأرجع لي بحجة)، قال الكرماني: فما قول من قال: إنها كانت قارنة؟ فأجاب بقوله: إنهم يرجعون بحج منفرد وارجع ليس لي عمرة منفردة؟ قوله: (قالت صفية) هي أم المؤمنين، سبقت في: باب المرأة تحيض بعد الإفاضة. قوله: (ما أراني) أي: ما أظن نفسي إلا حابسة القوم عن التوجه إلى المدينة، لأني حضت وما طفت بالبيت، فلعلهم بسببي
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»