عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٠٠
ابن عبيد الكناني، ثم ابنه عباد، ثم ابنه قلع بن عباد، ثم أمية بن قلع، ثم عوف بن أمية، ثم جنادة بن أمية وعليه قام الإسلام. وقيل: أول من نسأ نعيم بن ثعلبة، ثم جنادة، وهو الذي أدركه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: مالك بن كنانة، وقيل: عمرو بن طيء. وقال ابن دريد: الصفران شهران من السنة سمي أحدهما في الإسلام: المحرم، وفي (المحكم): قال بعضهم: سمي صفرا لأنهم كانوا يمتارون الطعام فيه من المواضع، وقال بعضهم: سمي بذلك لإصفار مكة من أهلها إذا سافروا، وروى عن رؤبة أنه قال: سموا الشهر صفرا لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفرا من المتاع، وذلك إذا كان صفر بعدالمحرم، فقالوا: صفر الناس منا صفرا، فإذا جمعوه مع المحرم قالوا: صفران والجمع أصفار. وقال القزاز: قالوا إنما سموا الشهر صفرا لأنهم كانوا يخلون البيوت فيه لخروجهم إلى البلاد، يقال لها الصفرية، يمتارون منها. وقيل: لأنهم كانوا يخرجون إلى الغارة فتبقى بيوتهم صفرا، وفي العلم المشهور لأبي الخطاب: العرب تقول: صفر وصفران وصفارين وأصفار. قال: وقيل: إن العرب كانوا يزيدون في كل أربع سنين شهرا يسمونه صفرا الثاني، فتكون السنة ثلاثة عشر شهرا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (السنة اثني عشر شهرا) وكانوا يتطيرون به ويقولون: (إن الأمور فيه منغلقة، والآفات فيه واقعة. قوله: (إذا برأ الدبر)، برأ، بفتح الباء الموحدة معناه: إذا أفاق، والدبر، بفتح الدال والباء الموحدة ثم الراء، وهو ما يتأثر في ظهر الإبل بسبب اصطكاك القتب والحمل عليها في السفر. وقال الخطابي:
يحتمل أن يكونوا أرادوا برء الدبر في ظهر الإبل إذا انصرفت من الحج. وقال ابن سيده: الجمع أدبار، ودبر دبرا، فهو دبر وأدبر، والأنثى: دبرة ودبراء، وإبل دبراء، وقد أدبرها الحمل، قال عياض: وقيل: هو أن يقرح خف البعير. قوله: (وعفا الأثر) أي: ذهب أثر الدبر، يقال: عفا الشيء بمعنى درس، ووقع في (سنن أبي داود) وعفا الوبر: يعني كثر وبر الإبل الذي حلقته رحال الحاج، وعفى من الأضداد، وقال الكرماني: المعروف في عامة الروايات: عفا الوبر يعني بالواو كما في رواية أبي داود، قال تعالى: * (حتى عفوا وقالوا) * (الأعراف: 59). أي: كثروا. قوله: (حلت العمرة) أي: صار الإحرام بالعمرة لمن أراد أن يحرم بها جائزا. وقال الكرماني: ما وجه تعلق انسلاخ صفر بالاعتمار في أشهر الحج الذي هو المقصود من الحديث، والمحرم وصفر ليسا من أشهر الحج؟ فأجاب بقوله: لما سموا المحرم صفرا. وكان من جملة تصرفاتهم فعل السنة ثلاثة عشر شهرا، صار صفر على هذا التقدير آخر السنة وآخر أشهر الحج، إذ لا برء في أقل من هذه المدة غالبا. وأما ذكر انسلاخ صفر الذي من الأشهر الحرم بزعمهم فلأجل أنه لو وقع قتال في الطريق، وفي مكة لقدروا على المقاتلة، فكأنه قال: إذا انقضى شهر الحج وأثره، والشهر الحرام، جاز الاعتمار، أو يراد بالصفر المحرم، ويكون إذا انسلخ صفر كالبيان والبدل لقوله: (إذا برأ الدبر) فإن الغالب أن البرى لا يحصل من أثر سفر الحج إلا في هذه المدة، وهي ما بين أربعين يوما إلى خمسين، ونحوه. قوله: (قدم النبي، صلى الله عليه وسلم)، كذا وقع في هذه الرواية، ووقع في رواية عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب في أيام الجاهلية بلفظ: فقدم، بزيادة فاء العطف، وكذا في رواية مسلم من طريق بهز بن أسد والإسماعيلي من طريق إبراهيم بن الحجاج، كلاهما عن وهيب وهو الوجه. قوله: (صبيحة رابعة) أي: ليلة رابعة من ذي الحجة، وهي يوم الأحد. قوله: (مهلين) نصب على الحال، أي: حال كونهم مهلين بالحج، وفي رواية إبراهيم بن الحجاج: وهم يلبون بالحج، وهذه الرواية تفسر قوله: مهلين، قوله: (فتعاظم ذلك) أي: الاعتمار في أشهر الحج، وفي رواية إبراهيم بن الحجاج: فكبر ذلك عندهم، أراد أنه تعاظم عندهم مخالفة العبادة التي كانوا عليها من تأخير العمرة عن أشهر الحج. قوله: (أي الحل) معناه: أي شيء من الأشياء يحل علينا، لأنه قال: اعتمروا وأحلوا، فقال: حل كله، يعني جميع ما يحرم على المحرم حتى الجماع، وذلك تمام الحل، كأنهم يعرفون أن للحج تحليلين، فأرادوا بيان ذلك بقولهم: أي الحل، فبين لهم صلى الله عليه وسلم الحل كله، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد، ووقع في رواية الطحاوي: (أي الحل نحل؟ قال: الحل كله).
ذكر ما يستفاد منه فيه: فسخ الحج إلى العمرة الذي بوب عليه. وفيه: استحباب دخول مكة نهارا، وهو المروي عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنه، وبه قال عطاء والنخعي وإسحاق وابن المنذر، وهو أصح الوجهين لأصحاب الشافعي، والوجه الثاني: دخولها ليلا ونهارا سواء لا فضيلة لأحدهما على الآخر، وهو قول طاووس والثوري، وعن عائشة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز: دخولها ليلا أفضل من النهار. وقال مالك: يستحب دخولها نهارا، فمن جاءها ليلا فلا بأس به. قال: وكان عمر بن
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»