عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٢٢٣
ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى..) الحديث، ولا يصح إسناده. وأما حديث ابن عباس وابن عمر، رضي الله تعالى عنهم، فأخرجهما الطبراني في (الكبير) بإسناده عنهما، قالا: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن: اللهم إني أستخيرك..) الحديث، إلى آخر قوله: (علام الغيوب) وزاد بعده: (اللهم ما قضيت علي من قضاء فاجعل عاقبته إلى خير)، وإسناده ضعيف، وفيه عبد الله بن هانىء متهم بالكذب. وأما حديث أبي هريرة: فرواه ابن حبان في (صحيحه) من رواية أبي الفضل ابن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد أحدكم أمرا فليقل: اللهم إني أستخيرك..) فذكره ولم يقل: العظيم، وفي آخره: (ورضني بقدرك)، قال ابن حبان: أبو الفضل اسمه شبل بن العلاء بن عبد الرحمن، مستقيم الأمر في الحديث، وقد ضعفه ابن عدي، فقال: حدث بأحاديث له غير محفوظة مناكير، وأورد له هذا الحديث وقال: إنه منكر لا يحدث به غير شبل. وأما حديث أنس، فرواه الطبراني في (معجمه الصغير) و (الأوسط) من رواية عبد القدوس بن حبيب عن الحسن عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا عال من اقتصد)، وقال: لم يروه عن الحسن إلا عبد القدوس، تفرد به ولده عبد السلام. انتهى. وعبد القدوس أجمعوا على تركه، وكذبه الفلاس، وقال أبو حاتم: عبد السلام وأبوه ضعيفان.
ذكر اختلاف ألفاظ حديث جابر وغيره إسنادا ومتنا: ففي رواية للبخاري في التوحيد، ورواية لأبي داود أيضا التصريح بسماع عبد الرحمن بن أبي الموالي عن ابن المنكدر، وبسماع ابن المنكدر له عن جابر. وقال البخاري في الدعوات (في الأمور كلها كالسورة من القرآن)، ولم يقل فيه: (من غير الفريضة). وقال فيه: (ثم رضني به)، وقال في كتاب التوحيد: (كان يعلم أصحابه الاستخارة) أي: صلاة الاستخارة، (في الأمور كلها)، وفي رواية النسائي في النكاح: (وأستعينك بقدرتك) ولم يقل أبو داود وابن ماجة: (في الأمور كلها)، وزاد أبو داود بعد قوله: (ومعاشي ومعادي)، وللطبراني في (الأوسط) في حديث ابن مسعود: (وأسألك من فضلك الواسع).
ذكر معناه: قوله: (يعلمنا الاستخارة) أي: صلاة الاستخارة، ودعاءها، وهي طلب الخيرة على وزن العنبة اسم من قولك: اختاره الله. وفي (النهاية): خار الله لك أي: أعطاك ما هو خير لك، قال: والخيرة، بكون الياء الاسم منه، وأما بالفتح فهو الاسم من قولك: اختاره الله. ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرة الله من خلقه يقال بالفتح والسكون، وهو من باب الاستفعال، وهو في (لسان العرب) على معان: منها: سؤال الفعل، والتقدير: أطلب منك الخير، فيما هممت به، والخير هو كل معنى زاد نفعه على ضره. قوله: (في الأمور كلها) دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمرا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم، أو في تركه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ليسأل أحدكم ربه حتى في شسع نعله. قوله: (كما يعلمنا السورة من القرآن)، دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة، وأنه متأكد مرغب فيه. فإن قلت: كان ينبغي أن تجب الاستخارة استدلالا بتشبيه ذلك بتعليم السورة من القرآن. كما استدل بعضهم على وجوب التشهد في الصلاة بقول ابن مسعود: كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. قلت: الذي دل على وجوب التشهد الأمر في قوله: (فليقل التحيات لله)، الحديث؟ فإن قلت: هذا أيضا فيه أمر، وهو قوله: (فليركع ركعتين ثم ليقل)؟ قلت: الأمر في هذا معلق بالشرط، وهو قوله: (إا هم أحدكم بالأمر) فإن قلت: إنما يؤمر به عند إرادة ذلك لا مطلقا، كما قال في التشهد: (وإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله)؟ قلت: التشهد جزء من الصلاة المفروضة، فيؤخذ الوجوب من قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فأما الاستخارة فتدل على عدم وجوبها الأحاديث الصحيحة الدالة على انحصار فرض الصلاة في الخمس. فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يكون الوتر واجبا، ومع هذا هو واجب، بل المنقول عن أبي حنيفة أنه فرض قلت: قد قامت الأدلة من الخارج على وجوب الوتر كما عرف في موضعه. قوله: (إذا هم) أي: إذا قصد. قوله: (فليركع ركعتين)، أي: فليصل ركعتين، وهو ذكر الجزء وإرادة الكل، لأن الركوع جزء من أجزاء الصلاة. قوله: في غير الفريضة) دليل
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»