عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٢١٢
الإقرار بأمر قد استقر عنده ثبوته. وقوله: (أخبر) على صيغة المجهول لنفس المتكلم وحده. قوله: (أنك) بفتح الهمزة لأنه مفعول ثان للإخبار. قوله: (الليل) منصوب على الظرفية، وكذلك: النهار. قوله: (هجمت)، بفتح الجيم أي: غارت أو ضعف بصرها لكثرة السهر. قوله: (ونفهت)، بفتح النون وكسر الفاء أي: كلت وأعيت، وقيده الشيخ قطب الدين بفتح الفاء، وحكى الإسماعيلي أن أبا يعلى رواه بالتاء المثناة من فوق بدل النون، وقال: إنه ضعيف، وزاد الداودي بعد قوله: (هجمت عينك ونحل جسمك ونفهت نفسك). قوله: (وإن لنفسك حقا) يعني: ما يحتاج إليه من الضرورات البشرية مما أباحه الله إلى الإنسان من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها بدنه لتكون أعون على عبادة ربه. قوله: (ولأهلك حقا) يعني من النظر لهم فيما لا بد لهم من أمور الدنيا والآخرة، والمراد من الأهل الزوجة أو أعم من ذلك ممن تلزمه نفقته، وسيأتي في الصيام زيادة فيه من وجه آخر نحو قوله: (وإن لعينك عليك حقا). وفي رواية: (فإن لزورك عليك حقا)، المراد من الزور: الضيف. قوله: (حقا) في الموضعين بالنصب لأنه اسم: (إن)، وخبره مقدم عليه، وهو رواية الأكثرين، وفي رواية كريمة بالرفع فيهما، ووجهه أن يكون: (حق)، مرفوعا على الابتداء. وقوله: (لنفسك) مقدما خبره، والجملة خبر إن، واسم إن ضمير الشأن محذوفا، تقديره: إن الشأن لنفسك حق، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشد الناس عذابا يوم القيام المصورون)، الأصل إنه أي: إن الشأن. قوله: (فصم وأفطر) أي: إذا كان الأمر كذلك فصم في بعض الأيام وأفطر في بعضها، وكان هذا إشارة إلى صوم داود صلى الله عليه وسلم. قوله: (وقم): بضم القاف أمر من: قام بالليل. لأجل العبادة أي: في بعض الليل، أو في بعض الليالي. قوله: (ونم)، بفتح النون أمر من النوم أي: في بعض الليل، وهذا كله أمر ندب وإرشاد.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: جواز تحديث المرء بما عزم عليه من فعل الخير. وفيه: تفقد الإمام أمور رعيته كلياتها وجرئياتها، وتعليمهم ما يصلحهم. وفيه: تعليل الحكم لمن فيه أهلية ذلك. وفيه: أن الأولى في العبادات تقديم الواجبات على المندوبات. وفيه: أن من تكلف الزيادة وتحمل المشقة على ما طبع عليه يقع له الخلل في الغالب، وربما يغلب ويعجز. وفيه: الحض على ملازمة العبادة من غير تحمل المشقة المؤدية إلى الترك، لأنه صلى الله عليه وسلم مع كراهيته التشديد لعبد الله بن عمرو على نفسه حض على الاقتصاد في العبادة، كأنه قال له: إجمع بين المصلحتين فلا تترك حق العبادة ولا المندوب بالكلية، ولا تضيع حق نفسك وأهلك وزورك.
12 ((باب فضل من تعار من الليل فصلى)) أي: هذا باب في بيان فضل من تعار، وتعار، بفتح التاء المثناة من فوق والعين المهملة وبعد الألف راء مشددة، وأصله: تعارر، لأنه على وزن: تفاعل، ولما اجتمعت الرآن أدغمت إحداهما في الأخرى. وقال ابن سيده: عر الظليم يعر عرارا، وعار معارة وعرارا: صاح، والتعار: السهر والتقلب على الفراش ليلا مع كلام. وفي (الموعب): يقال منه: تعار يتعار، ويقال: لا يكون ذلك إلا مع كلام وصوت، وقال ابن التين: ظاهر الحديث أن تعار: استيقظ، لأنه قال: (من تعار فقال)، فعطف القول بالفاء على تعار، وقيل: تعار تقلب في فراشه، ولا يكون إلا يقظة مع كلام يرفع به صوته عند انتباهه وتمطيه، وقيل: الأنين عند التمطي بأثر الانتباه، وعن ثعلب: اختلف الناس في تعار، فقال قوم: انتبه، وقال قوم: تكلم، وقال قوم: علم، وقال بعضهم: تمطى وأن.
4511 حدثنا صدقة بن الفضل قال أخبرنا الوليد عن الأوزاعي قال حدثني عمير بن هانىء قال حدثني جنادة بن أبي أمية قال حدثني عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الحمد لله وسبحان الله ولا إلاه إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فإن توضأ قبلت صلاته.
مطابقته للترجمة ظاهرة، لأنها جزء منه. فإن قلت: ليس في الحديث إلا القبول، والترجمة في فضل الصلاة قلت: إذا قبلت يثبت
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»