عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٢١٧
ذكر ما يستفاد منه: فيه: تأكيد ركعتي الفجر وأنهما من أشرف التطوع لمواظبته، صلى الله عليه وسلم، عليهما وملازمته لهما، وعند المالكية خلاف: هل هي سنة أو من الرغائب؟ فالصحيح عندهم أنها سنة، وهو قول جماعة من العلماء، وذهب الحسن البصري إلى وجوبها وهو شاذ لا أصل له، نقله صاحب (التوضيح) فإن قلت: الذي ذكرته يدل على الوجوب كما قاله الحسن، ولهذا ذكر المرغيناني عن أبي حنيفة أنها واجبة. وفي (جامع المحبوبي): روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز؟ قلت: إنما لم يقل بوجوبها لأنه، صلى الله عليه وسلم، ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة، هكذا قال أصحابنا: وليس فيه ما يشفي العليل، وقد روى أحاديث كثيرة في ركعتي الفجر منها: ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدعوا ركعتي الفحر ولو طردتكم الخيل) أي: الفرسان، وهذا كناية عن المبالغة وحث عظيم على مواظبتهما، وبه استدل أصحابنا أن الرجل إذا انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر وهو لم يصل ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد ثم يدخل، ولا يتركهما، وأما إذا خشي فوت الفرض فحينئذ يدخل مع الإمام ولا يصلي. ثم اختلف العلماء في الوقت الذي يقضيهما فيه، فأظهر أقوال الشافعي: يقضي مؤبدا ولو بعد الصبح، وهو قول عطاء وطاووس، ورواية عن ابن عمر وأبى ذلك مالك ونقله عن ابن بطال عن أكثر العلماء، وقالت طائفة: يقضيهما بعد طلوع الشمس، روي ذلك عن ابن عمر والقاسم بن محمد وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ورواية البويطي عن الشافعي، وقال مالك ومحمد بن الحسن: يقضيهما بعد الطلوع إن أحب. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يقضيهما. ومنها: ما رواه مسلم من حديث سعيد بن هشام (عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)، ورواه الترمذي نحوه، وقال: حديث حسن صحيح، وروى مسلم أيضا من حديث سعيد بن هشام (عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: لهما أحب من الدنيا جميعا). ومنها: ما رواه أبو داود من حديث أبي زياد الكندي (عن بلال، رضي الله تعالى عنه، أنه حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤذنه بصلاة الغداة...) الحديث، وفيه: (أن بلالا قال له: أصبحت جدا، قال: أصبحت جدا؟ قال: لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما) ومنها: ما رواه الترمذي من حديث يسار مولى ابن عمر عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين)، وقال الترمذي: معنى هذا الحديث لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر. ومنها: ما رواه الطبراني، رحمه الله تعالى، من رواية مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم (قال: لا صلاة إذا طلع الفجر إلا ركعتين). ومنها: ما رواه مسلم والنسائي من رواية زيد بن محمد عن نافع عن ابن عمر (عن حفصة، قالت: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين). ومنها: ما رواه ابن عدي في (الكامل) من رواية رشيد بن كريب عن أبيه عن جده (عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى: * (ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) * (الطور: 94). قال: ركعتين قبل الفجر). ومنها: ما رواه من حديث قيس بن فهد (رآه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد صلاة الفجر ركعتين، فقال: يا رسول الله إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الترمذي هذا الحديث ليس بمتصل، وأخرجه ابن أبي خزيمة في (صحيحه) ولفظه: (ما هاتان الركعتان؟ قال: يا رسول الله ركعتا الفجر لم أكن أصليهما فهما هاتان. قال: فسكت عنه). ومنها: حديث عائشة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
32 ((باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر)) أي: هذا باب في بيان الضجعة إلى آخره، والضجعة بفتح الضاد المعجمة وكسرها، والفرق بينهما أن الكسر يدل على الهيئة والفتح على المرة، من: ضجع يضجع ضجعا وضجوعا، إذا وضع جنبه بالأرض.
0611 حدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثني أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»