عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٠٦
وعند الإسماعيلي من رواية علي بن بحر وغيره عن الوليد بن مسلم أن القصة وقعت ليزيد بن أبي مريم مع عباية، وكذا أخرجه النسائي كما ذكرناه عن قريب، وذكرنا التوفيق بين الروايتين. قوله: (اغبرت قدماه) أي: أصابها الغبار، وإنما ذكر القدمين وإن كان الغبار يعم البدن كله عند ثورانه: لأن أكثر المجاهدين في ذلك الزمان كانوا مشاة والأقدام تتغبر على كل حال سواء كان الغبار قويا أو ضعيفا، ولأن أساس ابن آدم على القدمين، فإذا سلمت القدمان من النار سلم سائر أعضائه عنها. وكذلك الكلام في ذكر الوجه في سبيل الله.
908 حدثنا آدم قال حدثنا ابن أبي ذئب قال حدثنا الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. (انظر الحديث 636).
مطابقته للترجمة من حيث وجود لفظ السعي في كل منهما، مع الإشارة إلى أن بين لفظي السعي فيهما مغايرة، بيانه أن السعي المذكور في قوله تعالى: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9). المذكور في الترجمة، غير السعي المذكور في هذا الحديث. في قوله: (فلا تأتوها تسعون)، بيان ذلك أن السعي المذكور في الآية المأمور به مفسر بالمضي والذهاب، والسعي المذكور في هذا الحديث مفسر بالعدو، وحيث قابله المشي، بقوله: (واتوها تمشون)، وهذا الحديث قد ذكر في: باب (لا يسعى إلى الصلاة وليأتها بالسكينة والوقار) في أواخر كتاب الأذان بالإسناد المذكور هنا: عن آدم بن أبي إياس عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب. وأخرجه هناك أيضا من طريق آخر عن آدم، وههنا أخرجه أيضا من طريقين الأول: عن آدم إلى آخره، والثاني: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري. وفي ألفاظ الحديث بعض تفاوت، وقد تكلمنا هناك على جميع ما يتعلق به.
قوله: (تسعون) جملة حالية، فالنهي يتوجه إليه لا إلى الإتيان. قال الكرماني: فإن قلت: كيف نهى عنه والقرآن قد أمر به حيث قال: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * (الجمعة: 9). قلت: المراد بالسعي هنا هو الإسراع، وفي القرآن: القصد أو الذهاب أو العمل. انتهى. قلت: الذي ذكرناه الآن في وجه المطابقة يغني عن هذا السؤال مع جوابه. قوله: (السكينة)، بالنصب يعني: الزموا السكينة، ومعناها: الهنيئة والتأني، ويجوز بالرفع على الابتداء.
909 حدثنا عمرو بن علي قال حدثني أبو قتيبة قال حدثنا علي بن المبارك عن يحياى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال أبو عبد الله لا أعلمه إلا عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوموا حتى تروني وعليكم السكينة. (انظر الحديث 637 وطرفه).
وجه المطابقة بين هذا الحديث وبين الترجمة قريب من وجه المطابقة المذكورة في الحديث السابق، ويؤخذ ذلك من لفظ السكينة، وإن كان فيه بعض التعسف. وأخرج البخاري هذا الحديث في أواخر كتاب الأذان في: باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة: عن مسلم بن إبراهيم عن هشام، قال: كتب إلى يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني)، وهنا أخرجه: عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي قتيبة، بضم القاف وفتح المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة: واسمه سلم، بفتح السين المهملة وسكون اللام: ابن قتيبة الشعيري، بفتح الشين المعجمة: الخراساني سكن البصرة، مات بعد المائتين، عن علي بن المبارك الهنائي، بضم الهاء وتخفيف النون وبالمد، وقد تكلمنا هناك على جميع ما يتعلق به.
قوله: (قال أبو عبد الله) المراد به البخاري نفسه. قوله: (لا أعلمه)، هو مقول: قال أبو عبد الله، أي: قال البخاري: لا أعلم رواية عبد الله هذا الحديث عن أحد
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»