عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٠٢
النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة)، ومطلق يتناول الظهر والجمعة، كما أن قوله في رواية حميد عنه: (كنا نبكر بالجمعة)، مطلق يتناول شدة الحر وشدة البرد، والحاصل أن النقل عن أنس، رضي الله تعالى عنه، مختلف. فرواية حميد عنه تدل على التبكير بالجمعة مطلقا، ورواية أبي خلدة عنه تدل على التفصيل فيها، وروايته الثانية عنه تدل على أن هذا الحكم بالصلاة مطلقا، يعني: سواء كان جمعة أو ظهرا، وروايته الثالثة التي رواها عنه بشر بن ثابت تدل على أن هذا الحكم بالظهر، ويحصل الائتلاف بين هذه الروايات بأن نقول: الأصل في الظهر التبكير عند اشتداد البرد والإبراد عند اشتداد الحر، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، والأصل في الجمعة، التبكير لأن يوم الجمعة يوم اجتماع الناس وازدحامهم، فإذا أخرت يشق عليهم: وقال ابن قدامة: ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها إذا زالت الشمس صيفا وشتاء على ميقات واحد، ثم إن أنسا، رضي الله تعالى عنه، قاس الجمعة على الظهر عند اشتداد الحر لا بالنص، لأن أكثر الأحاديث تدل على التفرقة في الظهر وعلى التبكير في الجمعة.
906 حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال حدثنا حرمي بن عمارة قال حدثنا أبو خلدة هو خالد بن دينار قال سمعت أنس بن مالك يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة.
مطابقته للترجمة في قوله: (إذا اشتد الحر).
ذكر رجاله: وهم أربعة: المقدمي، بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة، وحرمي، بفتح الحاء المهملة والراء وكسر الميم: ابن عمارة، بضم العين المهملة وتخفيف الميم، وأبو خلدة، بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وبفتحها أيضا، وهو كنية خالد بن دينار التميمي السعدي البصري الخياط، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف.
ذكر لطائف إسناده: وفيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: السماع. وفيه: القول في أربعة مواضع. وفيه: أحد الرواة بصيغة النسبة والآخر بالكنية وتصريح الاسم. وفيه: أن الرواة كلهم بصريون. وفيه: أن البخاري روى هذا الحديث الواحد فقط من أبي خلدة. قاله الغساني، وأخرجه النسائي ولم يذكر فيه لفظ: الجمعة، بل ذكره بعد قوله: تعجيل الظهر في البرد.
قال يونس بن بكير أخبرنا أبو خلدة فقال بالصلاة ولم يذكر الجمعة هذا التعليق وصله البخاري في (الأدب المفرد) ولفظه: (سمعت أنس بن مالك، وهو مع الحكم أمير البصرة على السرير، يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكر بالصلاة). قوله: (وقال بالصلاة)، أي: وقال أبو خلدة في رواية يونس عنه بلفظ: الصلاة، فقط، ولم يذكر الجمعة، وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي الحسن: حدثنا أبو هشام عن يونس بلفظ: (إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد بكرها)، يعني: الظهر، وكذا أخرجه البيهقي من حديث عبيد بن يعيش عنه بلفظ: (الصلاة)، فقط. وقال الكرماني: قوله: ولم يذكر الجمعة، موافق لقول الفقهاء حيث قالوا: ندب الإبراد إلا في الجمعة لشدة الخطر في فواتها، ولأن الناس يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر.
وقال بشر بن ثابت حدثنا أبو خلدة قال صلى بنا أمير الجمعة ثم قال لأنس رضي الله تعالى عنه كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر هذا التعليق وصله الإسماعيلي من حديث إبراهيم بن مرزوق عن بشر عن أنس، بلفظ: (إذا كان الشتاء بكر بالظهر، وإذا كان الصيف أبرد بها، ولكن يصلي العصر والشمس بيضاء نقية). وأخرجه البيهقي أيضا. قوله: (أمير) سماه البخاري في كتاب (الأدب المفرد) على ما ذكرناه، وهو: الحكم بن أبي عقيل الثقفي، كان نائبا عن ابن عمه الحجاج بن يوسف، وكان على طريقة
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»