وذكر الوجوه والمراد أصحاب الوجوه، وعلى الثاني المعنى: منتظرة لثواب ربها، روي ذلك عن علي عليه السلام، أو مؤملة لتجديد الكرامة كما يقال: عيني ممدودة إلى الله تعالى أو إلى فلان، أو أنهم قطعوا آمالهم وأطماعهم من كل شئ سوى الله تعالى، وعلى هذا فإن هذا الانتظار متى يكون؟ فقيل: إنه بعد الاستقرار في الجنة، وقيل: إنه قبل استقرار الخلق في الجنة والنار، فكل فريق ينتظر ما هو له أهل، وقد قيل في إضافة النظر إلى الوجوه: إن الغم والسرور إنما يظهران في الوجوه فبين الله سبحانه أن المؤمن إذا ورد القيامة تهلل وجهه، وأن الكافر العاصي يخاف مغبة (1) أعماله القبيحة فيكلح وجهه (2) وهو قوله: " ووجوه يومئذ باسرة " أي كالحة عابسة متغيرة " تظن أن يفعل بها فاقرة " أي تعلم وتستيقن أنه يعمل بها داهية تفقر ظهورهم أي تكسرها، وقيل: إنه على حقيقة الظن أي يظنون حصولها جملة ولا يعلمون تفصيلها.
وفي قوله سبحانه: " إنا نخاف من ربنا يوما ": أي عذاب يوم " عبوسا " أي مكفهرا تعبس فيه الوجوه، ووصف اليوم بالعبوس توسعا لما فيه من الشدة، قال ابن عباس: يعبس فيه الكافر حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران " قمطريرا " أي صعبا شديدا، وقيل: القمطرير: الذي يقلص الوجوه ويقبض الجباه وما بين الأعين من شدته " فوقاهم الله شر ذلك اليوم " أي كفاهم الله ومنع منهم أهوال يوم القيامة، " ولقيم نضرة وسرورا " أي استقبلهم بذلك.
وفي قوله تعالى: " بما يوعون " أي يجمعون في صدورهم ويضمرون في قلوبهم من التكذيب والشرك، وقيل: بما يجمعون من الأعمال الصالحة والسيئة.
قوله تعالى: " غير ممنون ": أي غير منقوص ولا مقطوع، وقيل: غير منغص ولا مكدر بالمن.
وفي قوله سبحانه: " هل أتيك حديث الغاشية ": أي قد أتاك حديث القيامة، لأنها تغشى الناس بأهوالها بغتة، وقيل: الغاشية، النار تغشى وجوه الكفار بالعذاب