بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٧
أنه لا شئ إذا لم يدرك بحاسة من الحواس، فقال أبو الحسن عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا، وأنه شئ بخلاف الأشياء. قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبو الحسن عليه السلام: أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان. قال الرجل: فما الدليل عليه؟ قال أبو الحسن عليه السلام: إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه، وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، وإنشاء السحاب، وتصريف الرياح، ومجرى الشمس والقمر والنجوم، وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا و منشئا قال الرجل: فلم احتجب؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الحجاب على الخلق (1) لكثرة ذنوبهم فأما هو فلا تخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار، قال: فلم لا تدركه حاسة البصر؟ قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الابصار منهم ومن غيرهم، ثم هو أجل من أن يدركه بصر، أو يحيط به وهم، أو يضبطه عقل. قال:
فحده لي، فقال: لاحد له، قال: ولم؟ قال: لان كل محدود متناه إلى حد، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود ولا متزائد ولا متناقص، ولا متجزى ولا متوهم، قال الرجل: فأخبرني عن قولكم:
إنه لطيف وسميع وبصير وعليم وحكيم، (2) أيكون السميع إلا بالاذن، والبصير إلا بالعين، واللطيف إلا بعمل اليدين، والحكيم إلا بالصنعة؟ فقال أبو الحسن عليه السلام:
إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة، أو ما رأيت الرجل يتخذ شيئا فيلطف في اتخاذه فيقال: ما ألطف فلانا! فكيف لا يقال للخالق الجليل: لطيف إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا وركب في الحيوان منه أرواحها، وخلق كل جنس متبائنا من جنسه في الصورة ولا يشبه بعضه بعضا؟ فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته، ثم نظرنا إلى الأشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة فقلنا عند

(1) في نسخة من التوحيد: ان الاحتجاب عن الخلق.
(2) في التوحيد: لطيف سميع. بترك العاطف في الجميع.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309