بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٩
متى كان يجتمع منه هذه الكثرة، وفي كم من سنة كان يرتفع فاستدل بذلك على القدرة التي لا يؤودها شئ ويكثر عليها.
تأمل خلق السمك ومشاكلته للامر الذي قدر أن يكون عليه فإنه خلق غير ذي قوائم لأنه لا يحتاج إلى المشي إذا كان مسكنه الماء، وخلق غير ذي رية لأنه لا يستطيع أن يتنفس وهو منغمس في اللجة، وجعلت له مكان القوائم أجنحة شداد يضرب بها في جانبيه كما يضرب الملاح بالمجاذيف من جانبي السفينة، وكسي جسمه قشورا متانا متداخلة كتداخل الدروع والجواشن لتقيه من الآفات فأعين بفضل حسن في الشم لان بصره ضعيف والماء يحجبه، فصار يشم الطعم من البعد البعيد فينتجعه، وإلا فكيف يعلم به وبموضعه؟ واعلم أن من فيه إلى صماخيه منافذ فهو يعب الماء بفيه (1) ويرسله من صماخيه (2) فتروح إلى ذلك كما يتروح غيره من الحيوان إلى تنسم هذا النسيم.
فكر الآن في كثرة نسله وما خص به من ذلك فإنك ترى في جوف السمكة الواحدة من البيض ما لا يحصى كثرة، والعلة في ذلك أن يتسع لما يغتذي به من أصناف الحيوان فإن أكثرها يأكل السمك حتى أن السباع أيضا في حافات الآجام عاكفة على الماء أيضا كي ترصد السمك فإذا مر بها خطفته فلما كانت السباع تأكل السمك والطير يأكل السمك والناس يأكلون السمك والسمك يأكل السمك كان من التدبير فيه أن يكون على ما هو عليه من الكثرة.
فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك، ودواب الماء والأصداف، والأصناف التي لا تحصى ولا تعرف منافعها إلا الشئ بعد الشئ يدركه الناس بأسباب تحدث، مثل القرمز فإنه إنما عرف الناس صبغه بأن كلبة تجول على شاطئ البحر فوجدت شيئا من الصنف الذي يسمى الحلزون فأكلته فاختضب خطمها بدمه فنظر الناس إلى حسنه فاتخذوه صبغا، وأشباه هذا مما يقف الناس عليه حالا بعد حال وزمانا بعد زمان.

(1) أي شربه أو كرعه بلا تنفس.
(2) الصمخ: خرق الاذن الباطن الماضي إلى الرأس.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309