بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٨
حتى أن زبله يدخل في بعض الاعمال، (1) ومن أعظم الإرب فيه خلقته العجيبة الدالة على قدرة الخالق جل شأنه، وتصرفها فيما شاء كيف شاء لضرب من المصلحة. فأما الطائر الصغير الذي يقال له: " ابن تمرة " فقد عشش في بعض الأوقات في بعض الشجر فنظر إلى حية عظيمة قد أقبلت نحو عشه فاغرة فاها لتبلعه فبينما هو يتقلب ويضطرب في طلب حيلة منها إذا وجد حسكة فحملها فألقاها في فم الحية، فلم تزل الحية تلتوي وتتقلب حتى ماتت. أفرأيت لو لم أخبرك بذلك كان يخطر ببالك أو ببال غيرك أنه يكون من حسكة مثل هذه المنفعة العظيمة أو يكون من طائر صغير أو كبير مثل هذه الحيلة؟ اعتبر بهذا وكثير من الأشياء تكون فيها منافع لا تعرف إلا بحادث يحدث به أو خبر يسمع به.
انظر إلى النحل واحتشاده في صنعة العسل، وتهيئة البيوت المسدسة وما ترى في ذلك اجتماعه من دقائق الفطنة (2) فإنك إذا تأملت العمل رأيته عجيبا لطيفا، وإذا رأيت المعمول وجدته عظيما شريفا موقعه من الناس، وإذا رجعت إلى الفاعل ألفيته غبيا جاهلا بنفسه فضلا عما سوى ذلك، ففي هذا أوضح الدلالة على أن الصواب والحكمة في هذه الصنعة ليس للنحل بل هي للذي طبعه عليها وسخره فيها لمصلحة الناس.
انظر إلى هذا الجراد ما أضعفه وأقواه فإنك إذا تأملت خلقه رأيته كأضعف الأشياء، وإن دلفت عساكره نحو بلد من البلدان لم يستطع أحد أن يحميه منه.
ألا ترى أن ملكا من ملوك الأرض لو جمع خيله ورجله ليحمي بلاده من الجراد لم يقدر على ذلك؟ أفليس من الدلائل على قدرة الخالق أن يبعث أضعف خلقه إلى أقوى خلقه فلا يستطيع دفعه؟ انظر إليه كيف ينساب على وجه الأرض مثل السيل فيغشي السهل و الجبل والبدو والحضر، حتى يستر نور الشمس بكثرته فلو كان هذا مما يصنع بالأيدي

(١) قد ذكر الدميري لأجزائه خواصا كثيرة: منها ان طبخ رأسه في إناء نحاس أو حديد بدهن زنبق ويغمر فيه مرارا حتى يتهرى ويصفى ذلك الدهن عنه، ويدهن به صاحب النقرس والفالج القديم والارتعاش، والتورم في الجسد فإنه ينفعه ذلك ويبرئه، ومنها ان زبله إذا طلى به على القوابى قلعها. وغير ذلك من الفوائد.
(2) وفي نسخة وما ترى في اجتماعه من دقائق الفطنة.
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309