بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٧
أعلمت ما طعم هذه الأصناف من الطير التي لا تخرج إلا بالليل كمثل البوم والهام (1) والخفاش؟ قلت: لا يا مولاي، قال: إن معاشها من ضروب تنتشر في هذا الجو من البعوض والفراش وأشباه الجراد واليعاسيب، وذلك أن هذه الضروب مبثوثة في الجو لا يخلو منها موضع واعتبر ذلك بأنك إذا وضعت سراجا بالليل في سطح أو عرصة دار اجتمع عليه من هذا شئ كثير فمن أين يأتي ذلك كله إلا من القرب؟.
فإن قال قائل: أنه يأتي من الصحاري والبراري: قيل له: كيف يوافي تلك الساعة من موضع بعيد؟ وكيف يبصر من ذلك البعد سراجا في دار محفوفة بالدور فيقصد إليه؟ مع أن هذه عيانا تتهافت على السراج (2) من قرب فيدل ذلك على أنها منتشرة في كل موضع من الجو، فهذه الأصناف من الطير تلتمسها إذا خرجت فتتقوت بها.
فانظر كيف وجه الرزق لهذه الطيور التي لا تخرج إلا بالليل من هذه الضروب المنتشرة في الجو، واعرف مع ذلك المعنى في خلق هذه الضروب المنتشرة التي عسى أن يظن ظان أنها فضل لا معنى له، خلق الخفاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع أقرب، وذلك أنه ذو أذنين ناشزتين وأسنان ووبر (3) وهو يلد ولادا ويرضع ويبول ويمشي إذا مشى على أربع، وكل هذا خلاف صفة الطير، ثم هو أيضا مما يخرج بالليل ويتقوت مما يسري في الجو من الفراش وما أشبهه، وقد قال قائلون: إنه لا طعم للخفاش، وإن غذاءه من النسيم وحده، وذلك يفسد ويبطل من جهتين: إحديهما خروج ما يخرج منه من الثفل والبول فإن هذا لا يكون من غير طعم، والأخرى أنه ذو أسنان ولو كان لا يطعم شيئا لم يكن للأسنان فيه معنى، وليس في الخلقة شئ لا معنى له، وأما المآرب فيه فمعروفة

(1) جمع الهامة: نوع من البوم الصغير، تألف القبور والأماكن الخربة، وتنظر من كل مكان أينما درت أدارت رأسها. وتسمى أيضا الصدى.
(2) أي تساقط عليه وتتابع.
(3) أضاف الدميري له خصيصتين، وقال: يحيض ويطهر، ويضحك كما يضحك الانسان.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309