بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٢٠
نهارهم وبعض ليلهم، فلو كان أثر هذا الكلام يبقى في الهواء كما يبقى الكتاب في القرطاس لامتلأ العالم منه، فكان يكربهم ويفدحهم، وكانوا يحتاجون في تجديده والاستبدال به إلى أكثر مما يحتاج إليه في تجديد القراطيس لان ما يلقى من الكلام أكثر مما يكتب فجعل الخلاق الحكيم جل قدسه هذا الهواء قرطاسا خفيا يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم حاجتهم ثم يمحى فيعود جديدا نقيا، ويحمل ما حمل أبدا بلا انقطاع، وحسبك بهذا النسيم المسمى " هواء " عبرة وما فيه من المصالح فإنه حياة هذه الأبدان والممسك لها من داخل بما تستنشق منه، ومن خارج بما تباشر من روحه، وفيه تطرد هذه الأصوات فيؤدي بها من البعد البعيد، وهو الحامل لهذه الاراييح ينقلها من موضع إلى موضع.
ألا ترى كيف تأتيك الرائحة من حيث تهب الريح فكذلك الصوت، وهو القابل لهذا الحر والبرد اللذين يتعاقبان على العالم لصلاحه، (1) ومنه هذه الريح الهابة فالريح تروح عن الأجسام وتزجي السحاب من موضع إلى موضع ليعم نفعه حتى يستكثف فيمطر، وتفضه حتى يستخف فيتفشى، وتلقح الشجر، وتسير السفن، وترخي الأطعمة (2) وتبرد الماء، وتشب النار، وتجفف الأشياء الندية، وبالجملة أنه تحيي كلما في الأرض فلولا الريح لذوي النبات (3) ومات الحيوان وحمت الأشياء وفسدت.
توضيح: ركود الريح: سكونها. والحرض: فساد البدن. ويقال: نهكته الحمى أي أضنته وهزلته. وقوله عليه السلام: والهواء يؤديه يدل على ما هو المنصور من تكيف الهواء بكيفية الصوت على ما فصل في محله. ويقال: كربه الامر أي شق عليه وفدحه الدين أي أثقله. وريثما فعل كذا أي قدر ما فعله. ويبلغ إما على بناء المجرد فالعالم فاعله أو على التفعيل فالهواء فاعله والروح بالفتح: الراحة ونسيم الريح. واطرد الشئ:
تبع بعضه بعضا وجرى. والأراييح جمع للريح. وتزجي السحاب - على بناء الافعال -

(1) وفي نسخة اللذين: يعقبان على العالم لصلاحه.
(2) أي صيرها رخوا أي متسما.
(3) ذوي النبات: ذبل ونشف ماؤه.
(١٢٠)
مفاتيح البحث: الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309