كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٣٢
بعبادته فمضوا غاضين ابصارهم عما حرم الله عليهم واقفين اسماعهم على العلم بدينهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذين نزلت منهم في الرخاء رضي عن الله بالقضاء فلو لا الآجال التي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى لقاء الله والثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم فهم والجنة كمن رآها فهم على أرائكها متكئون وهم والنار كمن دخلها فهم فيها يعذبون قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحيفة وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة ومعرفتهم في الاسلام عظيمة صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم أناس أكياس ارادتهم الدنيا فلم يريدوها وطلبتهم فأعجزوها أما الليل فصافون اقدامهم تالون لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يعظون أنفسهم بأمثاله ويستشفون لدائهم بدوائه تارة وتارة يفترشون جباههم واكفهم وركبهم واطراف اقدامهم تجرى دموعهم على خدودهم ويمجدون جبارا عظيما ويجارون إليه جل جلاله في فكاك رقابهم هذا ليلهم فاما نهارهم فحلماء علماء بررة أتقياء براهم خوف بارئهم فهم أمثال القداح يحسبهم الناظر إليهم مرضى وما بالقوم من مرض أو قد خولطوا وقد خالط القوم من عظمة ربهم وشدة سلطانه أمر عظيم طاشت له قلوبهم وذهلت منه عقولهم فإذا استفاقوا من ذلك بادروا إلى الله تعالى بالاعمال الزاكية لا يرضون له بالقليل ولا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون ان زكى أحدهم خاف مما يقولون وقال انا اعلم بنفسي من غيري وربى اعلم بي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون فإنك علام الغيوب وساتر العيوب هذا (ومن علامة أحدهم) ان ترى له قوة في دين وحزما في لين وايمانا في يقين وحرصا على علم وفهما في فقه وعلما في حلم وكيسا في رفق وقصدا في غنى وتحملا في فاقة وصبرا في شدة وخشوعا في عبادة ورحمة للمجهود واعطاء في حق ورفقا في كسب وطلبا في حلال وتعففا في طمع وطمعا في غير طبع أي دنس ونشاطا في هدى واعتصاما في شهوة
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»