كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٢٧٣
تأويل قوله عز وجل * (وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) * يوسف فقال كيف يصح وصف الدم بأنه كذب والكذب من صفات الأقوال لا من صفات الأجسام وما معنى قول يعقوب عليه السلام فصبر جميل وكيف وصفه بذلك ونحن نعلم أن صبره لا يكون إلا جميلا (الجواب) قيل له أما كذب فمعناه في هذا الموضع مكذوب فيه وعليه مثل قولهم هذا ماء سكب وشراب صب يريدون مسكوبا ومصبوبا وكقولهم رجل صوم وامرأة نوح والمعنى صائم ونائحة قال الشاعر * فظل جيادهم نوحا عليهم * مقلدة أعنتها صفوفا * أراد نائحة عليهم ويقولون أيضا ما لفلان معقول يريدون عقلا قال الشاعر * حتى إذا لم يتركوا لعظامه * لحما ولا لفؤاده معقولا * وقد قال الفراء وغيره يجوز في النحو بدم كذبا بالنصب على المصدر وتقدير الكلام كذبوا كذبا وانما كان دما مكذوبا فيه لأن اخوه يوسف عليه السلام ذبحوا سخلة ولطخوا قميص يوسف بدمها وجاؤا أباهم بالقميص وادعوا اكل الذئب له فقال لهم يعقوب عليه السلام يا بني لقد كان هذا الذئب رفيقا حين اكل ابني ولم يخرق قميصه وعند ذلك قالوا بل قتله اللصوص فقال كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله وقد قيل إنه كان في قميص يوسف ثلاث آيات إحداهن حين جاؤوا إليه بدم كذب فتبينه أبوه على أن الذئب لو اكله لخرق قميصه والثانية حين قد قميصه من دبر والثالثة حين القي على وجه أبيه فارتد بصيرا وأما وصف الصبر بأنه جميل فلأن الصبر قد يكون جميلا وغير جميل وإنما يكون جميلا إذا قصد به وجه الله تعالى فلما كان في هذا الموضع واقعا على الوجه المحمود وصح وصفه بالجميل وقد قيل إنه أراد صبرا لا شكوى فيه ولا جزع معه ولو لم يصفه بذلك لظن مصاحبة الشكوى والجزع له وقد قال أهل العربية ان ارتفاع الصبر هاهنا إنما هو لأن المعنى فشأني صبر جميل والذي اعتقده صبر جميل وقد أنشدوا * شكا إلي جملي طول السرى * يا جملي ليس إلى المشتكى * صبر جميل فكلانا مبتلى * معناه فليكن منك صبر جميل وقد روي أن في قراءة أبي فصبرا جميلا بالنصب وذلك يكون على الاغراء والمعنى فاصبري يا نفس صبرا جميلا قال ذو الرمة إلا إنما مي فصبرا بلية * وقد يبتلى الحر الكريم فيصبر (تأويل خبر) ان سأل سائل فقال ما معنى الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورته وليس ظاهر هذا الخبر يقتضي التشبيه له تعالى بخلقه فإن لم يكن على ظاهره فما تأويله
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»