كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٢١٨
يبقون فيه مخلدين وهو لو لم يخلقهم لم يكن ذلك أو خلقهم ولم يكلفهم لم يقع الكفر منهم (الجواب) قيل لو وجب ان يكون الخلق والتبليغ قبيحا ولا يكون حكمه ذلك لو لم يكن ما استحق أحد العذاب والخلود في النار لكان لا شئ أوضع ولا أضر من العقل لأن الانسان متى لم يكن عاقلا لم يلحقه لوم في شئ يكون منه ولم يلزمه عقاب ولا أدب على زلل يصدر عنه ومتى كان عاقلا لحقه ذلك أجمع ومستحقه والأمم كلها ملحدها وموحدها مجمعة على اعتقاد شرف العقل وفضيلته وعلو منزلته وسقوط ضده ونقصه فإن قالوا إن العقل ليس يدعو إلى شئ مما يوجب اللوم ولا يحمل عليه ولا يدخل فيه بل هو ناه عن القبيح زاجر عنه ولو شاء العاقل لم يرتكب القبيح وبعد ففي العقل منافع وهي عز العلم وشرف المعرفة وعظم موضع اللذة قيل لهم وكذلك الخلق والتبليغ والتكليف ليس بداع إلى شئ من القبيح ولا حامل على الكفر ولا مدخل فيما يوجب العقاب والخلود في النار بل هو تاه عن ذلك زاجرا عنه ولو شاء المكلف لم يكفر بل أطاع فاستحق بطاعته الخلود في نعيم الجنان كما استحق غيره ممن أطاع وبعد ففي التكليف تعريض لأجل منازل النعيم وهي منزلة الاستحقاق وفيه فعل ما تقتضيه الحكمة والصلاح وشئ آخر وهو ان التعريض لنيل الثواب الدائم والامر بمعرفة المنعم وشكره وترك الجور والظلم والسفه حسن من العقل كما أن التعريض للعطب والامر بالجور والسفه قبيح فاسد في العقل فلو كانت معصية المأمور ومصيره لسوء اختياره إلى استحقاق العذاب وعلم العالم بما يصير إليه من العطب والهلاك يقلب التعريض للخير والامر بالحسن فيجعله قبيحا فاسدا لكان طاعة المأمور ومصيره بحسن اختياره إلى استحقاق المدح من العقلاء وعلم الامر بما يصير إليه المأمور من السلامة واستحقاق المدح يقلب التعريض للعطب والامر به فيجعله حسنا وهذا لا يقوله أحد ولو كان الامر بالخير والتمكين منه والدعاء إليه والتيسير له والاعذار والانذار لا يكون تعريضا للخير إلا إذا علم أن المأمور يقبل فيسلم لكان الامر بالفساد والشر والدعاء إليه والحث عليه لا يكون تعريضا للمكروه والعطب والضرر إلا إذا علم أن المأمور يقبل فيعطب فلما كان هذا عند جمهور أهل العلم والعقل اسائة واضرارا وتعريضا للمكروه سواء علم أن المأمور يقبل
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»