كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٦٥
رايتك على أمر لم يسعني ان اسكت فيه عنك ولست اقبل فيه العذر منك قال وما هو حتى ارجع منه وأتوب إلى الله تعالى منه قال رايتك تضاحك حدثا غرا جاهلا بأمور الله وما يجب من حدود الله وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب من العلم وانما أنت بمنزلة رجل من الصديقين لأنك تقول حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله تعالى فيسمعه الناس منك فيكتبونه عنك ويتخذونه دينا يعولون عليه وحكما ينتهون إليه وإنما أنهاك ان تعود لمثل الذي كنت عليه فاني أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ويعذب فساق حملة القرآن قبل الكافرين فما رأيت حالا أعجب من حالنا ولا عظة أبلغ مما اتفق لنا ولما وقف عليه صاحبي اضطرب لها اضطرابا بان فيها اثر لطف الله تعالى لنا وحدثني بعد ذلك أنه انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله (سؤال) عن آية ان سئل سائل عن قول الله عز وجل * (وإذا أردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) * الاسراء فقال أخبروني ما معنى هذا الاهلاك الذي يريده الله تعالى وكيف قدم إرادة اهلاكهم على امره لهم ومتى يستمر مع القول بالعدل ان يريد اهلاك قوم قبل ان يأمرهم فيعصوا وما معنى قوله امرنا مترفيها ففسقوا فيها ففي هذا على من لم يفهم معناه شبهة والله لا يأمر إلا بالعدل (الجواب) قيل له في هذه الآية وجوه (أحدها) ان من الاهلاك ما يكون حسنا وهو ان يكون مستحقا أو امتحانا وإنما يكون قبيحا إذا كان ظلما أو عبثا وقد ثبت لنا بالدليل الواضح عدل الله تعالى وحكمته وانه لا يريد الظلم ولا يقع منه العبث فعلمنا انه لم يريد الا الاهلاك الحسن وأما قوله امرنا مترفيها فالمأمور هنا محذوف وهو الطاعة وتقدير الكلام امرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا وخالفوا ويجري هذا مجرى قول القائل امرتك فعصيتني فحذف ذكر ما امره به لفهم السامع له وهذا معروف من كلام العرب والأمثلة فيه كثيرة وأما مترفوها فهم الذين يعملون في الدنيا في غير طاعة الله تبارك وتعالى وأما تقدم إرادة الاهلاك على الامر فيحتمل ان يكون ذلك بعد أمر متقدم لم يذكر استحق المأمورون بمخالفتهم له العذاب فلما أراد الله تعالى اهلاكهم اعذر إليهم بأمر ثان على وجه التكرير والتأكيد في إقامة الحجة على العاصين قبل وقوع الاهلاك لمستحق المذكور ويوافق هذا التأويل قوله تعالى * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * الاسراء (الوجه الثاني) ان يكون الإرادة في الآية مجازا وتنبيها على المعلوم من حال القوم وعاقبتهم وانهم متى امروا ففسقوا فاهلكوا ويجرى ذلك مجرى قولهم إذا أراد التاجر ان يفتقر اتته النوائب من كل جانب وتوجه نحوه الخسران من كل مكان وإذا أراد العليل ان
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»