كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٢٧
الرسول الله صلى الله عليه وآله مما ينسبونه إليه والذي ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام أوضح من أن يشتبه الامر فيه أليس هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وآله انني لم أزل البارحة مفكرا فيما قلت لي فعرفت الحق والصدق في قولك وانا اشهد ان لا اله الله وحده لا شريك له وانك رسول الله فوقع منه الاقرار بالشهادة بعد فكر ليلة كاملة فكيف تصح من طفل كما زعمتم غير عاقل ان يفكر في صحة النبوة ليلة كاملة حتى حصل له العلم بصدق المخبر بها بعد طول الروية وهل بعد هذا لبس يعترض عاقلا الا هجر العصبية و قد روى أعجب منه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال إن النبي صلى الله عليه وآله عرض على علي عليه السلام الاسلام فقال له علي عليه السلام انظرني الليلة فقال له النبي صلى الله عليه وآله هي أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا فلينظر الغافلون إلى هذا الكلام الواقع منهما عليهما السلام وسؤال أمير المؤمنين عليه السلام له في التأجيل و الانظار هذا وهو الذي كفله ورباه ولم يزل طائعا له في جميع ما يأمره ويؤثره ويراه فلما اتاه الامر الذي رأى أن الاقدام على الاقرار به من غير علم ويقين قبيح سأله التأجيل ثم قول النبي صلى الله عليه وآله له انها أمانة في عنقك لا تخبر بها أحدا مما تشهد العقول بأسرها انه لا يقال إلا لمميز يكون عقله كاملا ويزيد هذه الحال أيضا بيانا انه لما أسلم عليه السلام كان يخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى شعاب مكة فمرة يصلي معه ومرة أخرى يرصد له حتى روى أن كل واحد منهما كان إذا صلى صاحبه حرسه ووقف يرصد له فهل يصح ان يختص بهذا الامر من لا عقل له لا ولكن قد يخفى صحته عمن لا عقل له والعجب أن مخالفينا يدفعون ان يكون اسلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو ابن عشر سنين له فضيلة ورسول الله صلى الله عليه وآله لم يدفع ذلك بل كان يعده له من أول الفضائل ويخبر به إذا مدحه وأثنى عليه في المحافل والعجب انهم ينكرون علينا الاحتجاج بتقدم اسلامه وهو صلى الله عليه وآله كان يحتج بذلك بين الصحابة ولا ينكره أحد عليه ولا يقول له وما في هذا لك من الفضل وانما أسلمت وأنت طفل ليس لك عقل (فصل في البلوغ) وأما ما ظن الخصوم من أن البلوغ إلى درجة التكليف هو الاحتلام و قولهم إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن بلغ وقت اسلامه مبلغ المحتلمين فلا يكون من المكلفين فظن غير صحيح ولو كان الامر كما زعموه لكان كل من بلغ الحلم مكلفا ونحن نعلم فساد ذلك لوجود بالغين من البله والمجانين غبر مكلفين والواجب الذي ليس عنه محيد ان يقال إن وجود العقل في الانسان وصحة التمييز منه والإدراك شرط في وجوب تكليف العقليات من النظر والاستدلال ومعرفة ما لا يسع جهله من الأمور الواجبات واعتقاد الحق باسره وادراك الصواب وشرط أيضا في صحة تعلق العبادات السمعيات وإن كان أكثرها يسقط عمن لم يبلغ الاحتلام ولا يعلم سقوطه إلا من جهة السمع الوارد دون ما سواه ولم يكن للمشروع كله حاصلا في ابتداء البعثة ولا اتى الوحي وقت
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»