الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي - الصفحة ١٢٧
تسيل على خديه فقلت له: يا شيخ ما يبكيك؟ فقال: انه أتى علي نيف ومائة سنة لم أر فيها عدلا ولا حقا ولا علما ظاهرا الا ساعة من الليل وساعة من النهار، فانا أبكي لذلك فقلت: وما تلك الساعة والليلة واليوم الذي رأيت فيه العدل؟ قال: اني كنت رجلا من اليهود وكان لي ضيعة بناحية سور، وكان لنا جار في القرية من أهل الكوفة يقال له الأعور الهمداني وكان رجلا مصابا بإحدى عينيه وكان خليطا وصديقا، وإني دخلت الكوفة يوما من الأيام بطعام لي على أحمرة لي أريد بيعه فبينما أنا أسوق حميري وإذا بصوت في سبخة الكوفة وذلك بعد العشاء والآخرة فافتقدت حميري فكأن الأرض ابتلعتها أو السماء تناولتها أو كأن الجن اختطفتها فمررت يمينا وشمالا فلم أجدها فأتيت منزل الحارث الهمداني من ساعتي أشكو إليه ما أصابني فلما أخبرته قال: انطلق بنا إلى منزل أمير المؤمنين حتى أخبره فانطلقنا إليه وأخبره بالخبر، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للحارث انطلق إلى منزلك وخلني واليهودي فأنا ضامن له حميره وطعامه، حتى أردها إليه، فأخذ بيدي ومضى حتى أتينا الموضع الذي فقدت فيه حميري فوجه وجهه عني وتحركت شفتاه بكلام لا أفهمه ثم رفع رأسه فسمعته يقول: والله ما بايعتموني وعاهدتموني معاشر الجن إلا بالطاعة لي والاستماع لامري وأيم الله لئن لم تردوا على هذا اليهودي حميره وطعامه لأنقضن عهدكم ولأجاهدن فيكم حق الجهاد، قال: فوالله ما فرغ أمير المؤمنين من كلامه حتى رأيت حميري وطعامي بين يدي فقال لي أمير المؤمنين إختر يا يهودي احدى الخصلتين إما أن تسوق حميرك وأنا أحرسها من ورائها وإما أن أسوقها أنا وأنت تحرسها، فقلت: أنا أسوقها وتقدم أنت يا أمير المؤمنين فتقدم وأتبعته الحمير حتى انتهى بها إلى الرحبة فقال: يا يهودي أحط عنها وتحفظها أنت، أو تحط وأحفظها أنا حتى يصبح الصبح؟ فإنه عليك بقية من الليل، فقلت له: يا مولاي أنا أقوى عليها بالحط، وأنت أقوى عليها بالحفظ فقال خلني وإياها ونم، حتى يطلع الفجر فليس عليك بأس فلما طلع الفجر نبهني، ثم قال لي: قد طلع الفجر فاحفظ عليك
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست