شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٥٤
عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن داود بن فرقد عن أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كفى لاولي الألباب بخلق الرب المسخر، وملك الرب القاهر وجلال الرب الظاهر ، ونور الرب الباهر، وبرهان الرب الصادق، وما أنطق به ألسن العباد، وما أرسل به الرسل، وما أنزل على العباد دليلا على الرب.
* الشرح:
(محمد بن يعقوب قال: حدثني عدة من أصحابنا) الظاهر أن يقول ابتداء (عدة من أصحابنا) بدون ذكر اسمه خصوصا في مثل هذا الموضع الذي ليس صدر الكتاب ولا صدر الباب.
(عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كفى لأولي الألباب) أي لذوي العقول الناقدة الخالصة عن شبهات الأوهام (بخلق الرب المسخر) الخلق الإيجاد (1) يقال: خلقه الله خلقا أي أوجده وشاع استعماله أيضا في المخلوق، والتسخير التذليل والمسخر على الأول بكسر الخاء

1 - قوله: «الخلق الإيجاد» بل هو التقدير فإنا نرى كل شئ في العالم مقدرا بقدر مناسب له بحيث يدل على أن فاعله عالم حكيم مدبر. مثلا سعة مجاري الدم في العروق كل بقدر ما يحتاج إليه بحيث لو ضاق عن مقداره أو اتسع أوجب أمراضا صعبة وهكذا غيره من تقادير الأعضاء والعظام واللحم والدم وأجزاء كل منها في الإنسان والحيوان والنبات وساير الأمور. وهذا آخر أحاديث الباب وهي كما ترى لا تدل على حدوث العالم ولا ذكر فيها لهذه الكلمة ولا لمعناها مع أن الباب معقود له ومعنون به ولكن لما كان مفاد هذه الأحاديث وجوده تعالى فهم منه الحدوث بالملازمة التي ذكرناها واتفاق المليين على حدوث العالم زمانا هو بمعنى اتفاقهم على وجوده تعالى وكون العالم مخلوقا له ومن أنكر على القدم فإنما أنكر لأنه يستلزم عنده عدم مخلوقية العالم أو كون الواجب تعالى فاعلا موجبا، واعلم أن بعض أهل الحديث استدل على حدوث العالم بظواهر الأحاديث والإجماع ولم يعلم أن الإجماع والأخبار حجة بعد ثبوت الشرع وصحة النبوة وثبوت الشرع والنبوة متوقف على علمه تعالى وحكمته ولطفه حتى لا يجري المعجزة على يد المدعي الكاذب وهذا متوقف على إثبات أصل وجوده تعالى فإن كان إثبات وجوده تعالى متوقفا على حدوث العالم الثابت بالإجماع توقف إثبات حدوث العالم على نفسه بهذه المراتب وهو واضح البطلان والحق وجوده تعالى بأدلة أخرى غير حدوث العالم كما في أحاديث هذا الباب وغيره من الأحاديث والآيات مع أني ما رأيت حديثا واحدا يدل على حدوث العالم بأسره تعبدا ومضى زمان غير متناه عليه وهو معدوم بل غاية ما يدل عليه بعض الأخبار حدوث السماء والأرض والإنسان وأمثال ذلك لإثباته تعالى من غير أن يدل على عدم شئ غيرها قبلها فلعل هذه حادثة بعد إيجاد غيرها وإعدامه، وهكذا ولنا كلام أوردناه في حاشية الوافي في إثبات تناهي الحوادث المتعددة بالفعل وأنها متناهية من الابتداء لا من جهة أنه أمر ديني اعتقادي يجب الإيمان به في الشرع بل من جهة أنه مسألة علمية كبطلان الخلاء وتناهي الأبعاد مما ليس إثباته ونفيه ضروريا في الدين مستقلا وإن ثبت كون الحدوث الوارد في الأحاديث زمانيا فأما أن يكون لتوقف إثبات الواجب تعالى عليه عرفا وأما أن يكون تأدبا نظير أن ينهى أن يقال: الله تعالى تحت رجلي إذ ينصرف الذهن منه إلى الباطل. (ش)
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست