شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ١٥
الفاعل المختار القاهر على الممكنات يفعل فيها ما يشاء كيف يشاء ثم شرع في إثباته تعالى بدليل آخر وقال:
(يا أخا أهل مصر لم السماء) على عظمة حجمها ومقدارها (مرفوعة) على بعد مخصوص لا يزيد ولا ينقص (والأرض موضوعة) في حاق وسط السماء على بعد معين بينهما مع اشتراكهما في الجسمية المقتضية للتحيز فرفع إحداهما ووضع الأخرى دل على وجود قادر قاهر لهما على ذلك، فإن قيل. طبع السماء يقتضي الرفع وطبع الأرض يقتضي الوضع، قلنا: الرفع والوضع يتصوران على أنحاء مختلفة ووجوه متباينة فاختصاصهما، بهذا الرفع والوضع المخصوصين لا بد أن يكون مستندا إلى الغير على أن اقتضاء طبعهما ذلك لا بد أن يكون من الغير وهو المبدء الغالب على الأشياء (لم لا تسقط السماء) بالحركة المستقيمة أو مع الحركة الدورية التي لها في نفس الأمر (على الأرض) إذ الحركة المستقيمة لا تنافي الحركة الدورية وما ذكره الفلاسفة من امتناع حركة السماء على الاستقامة (1) فهو ممنوع لم يقم عليه برهان.
(لم لا تنحدر الأرض فوق طباقها) تقول حدرت السفينة أحدرها إذا أرسلتها إلى أسفل والانحدار الانهباط وطباق الأرض طبقاتها التي بعضها فوق بعض، المراد بفوق طباقها الطبقة الفوقانية المكشوفة التي هي مسكن للحيوانات المتنفسة، يعني لم لا تنحدر الأرض إلى الماء من فوق طباقها أو لم لا ينحدر فوق طباقها على أن يكون فوق طباقها بدلا من الأرض، ويحتمل أن يراد بطباقها ما يحيط بها من العناصر والأفلاك يعني لم لا تنحدر الأرض فوق العناصر بل إلى فوق الأفلاك أيضا وإرجاع ضمير طباقها إلى السماء أيضا محتمل والمراد بالطباق حينئذ طبقات السماوات وإطلاق لفظ الانحدار على حركة الأرض إلى صوب المحيط صحيح لأن حركتها من المركز إلى المحيط في سمت أقدامنا انحدار وهبوط بالنظر إلينا وصعود بالنظر إلى من يقابلنا (فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليها) (2) في بعض النسخ ولا يتماسكان بالواو وهي للحال عن

1 - قوله «حركة السماء على الاستقامة ممنوع» حركة السماء على الاستقامة أو الاستدارة وامكانها أو امتناعها أجنبي عن المقام على ما ذكرنا فإن الغرض من جميع هذه الجمل إثبات الاضطرار وعدم وجود شئ إلا بعلة فاعلة وغاية كما قيل: الشئ ما لم يجب لم يوجد وأنه لا بخت ولا اتفاق كما سبق من بيانه (عليه السلام) في توحيد المفضل والمقصود حاصل سواء كان الحركة المستقيمة ممتنعة على الفلك أو ممكنة. (ش) 2 - قوله: «ولا يتماسك من عليها» هذا الكلام أيضا رد على القائلين بالبخت والاتفاق منكري العلة ولا يخفى أن الإلهيين يثبتون وجود واجب الوجود بأن كل شئ يحدث في العالم فهو بسبب وعلة ولا يمكن التسلسل في العلل فينتهي بالآخرة إلى واجب الوجود. ثم يثبتون علمه وقدرته واختياره تعالى بالنظر في أفعاله تعالى والحكم والمصالح فيها فإذا أنكر أحد أصل العلية والتزم بامكان الترجح من غير مرجح وأن تركب الأجسام بالبخت والاتفاق فقد سد باب إثبات الواجب تعالى، ومما قالوا: إن كل جسم حصل من تركب أجزاء صغار صلبة منبثة في الفضاء فاتفق أن اجتمع منها أجزاء غير محصاة في أحياز غير محصاة في خلأ غير متناه كما نقله الشيخ في الشفا ولو كان هذا صحيحا لزم منه عدم تماسك أجزاء الأرض والسماء لأن الأجزاء المجتمعة في الفضاء بالبخت والاتفاق في معرض أن تتفرق بالاتفاق مع أنا نرى تماسك أجزائهما آلافا من السنين فلا بد أن يكون التماسك والاجتماع بعلة كما في ساير الحوادث وقال بعض قدماء اليونانيين إن الأجسام متجاذبة طبعا تميل بعضها إلى بعض وهذا اعتراف بأن التماسك بعلة لا بالاتفاق. وأما تفسير الشارح أن لا يتماسكان أي لا يملكان - إلى آخر ما قال - فتكلف مبنى على ما زعمه من أن الزندقة طريقة واحدة هي الالتزام بجبر الطبيعة ونفي القادر المختار. (ش)
(١٥)
مفاتيح البحث: السفينة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست