شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٦٨
والمراتب المذكورة للنفس إليه باعتبار تفاوت إشراقاته عليها أيضا جايز، وأن انتساب الثواب والعقاب إليه غير بعيد إذ كما أن ثواب البدن وعقابه باعتبار متعلقه وروحه الذي هو النفس كذلك يجوز أن يكون ثواب النفس وعقابها باعتبار متعلقها وروحها الذي هو ذلك الجوهر، إذا عرفت هذا فلا يبعد أن يراد بالعقل في الروايات الدالة على أنه أول خلق من الروحانيين وأنه حالة من أحوال النفس كما في حديث الجنود وغيره ذلك الجوهر (1) ثم معاني العقل على تباينها يجمعها أمر واحد يشترك الكل فيه وهو أنه ليس بجسم ولا جسماني ولهذا صح أن يجعل موضوعا لفن واحد كما في هذا الكتاب ويبحث عن العوارض الذاتية له ولأقسامه وللرأي الصائب أن يحمله في كل حديث على ما يناسبه من المعاني المذكورة.
وإذا عرفت العقل فاعرف الجهل بالمقابلة فهو إما النفس باعتبار تعلقها بالبدن والحالات المقابلة للحالات المذكورة لأن ذلك التعلق وتلك الحالات منشأ لظلمة النفس وانكسافها وميلها إلى الشرور، أو أمر مقابل لذلك الجوهر النوراني متعلق بالنفس وروح خبيث لها يدعوه إلى الشر والفساد، ولا يبعد أن يكون ما في بعض الروايات «من أن المؤمن مؤيد بروح الايمان» (2) و «أن لكل قلب اذنين على أحدهما ملك يهديه وعلى الآخر شيطان يضله» (2) إشارة إلى العقل والجهل بهذا المعنى والله أعلم بحقائق الأمور (استنطقه) ناطقة واستنطقه أي كلمه وفي استنطاقه إخراج له عن الوحشة وتأنيس له بالقربة وتكريم له بالعزة كما يقع مثل ذلك كثيرا ما بين المحب والمحبوب ومن هذا القبيل قوله تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى) مع علمه تعالى بخفيات الأمور (ثم قال له:
أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر) كأن المراد إقباله إلى ما يصلح أن يؤمر به من الطاعة وإدباره عما ينهى عنه من المعصية أو إقباله إلى المقامات العالية والدرجات الرفيعة التي يمكنه الوصول إليها، وإدباره عن تلك المقامات ونزوله في منازل الطبيعة الجسمانية وهبوطه مواطن الظلمة البشرية،

١ - قوله: «ذلك الجوهر» أي العقل المفارق هو الذي خلقه تعالى أولا ومع ذلك يعد حالة من حالات النفس باعتبار اشراقاته واضاءاته وجنوده التي في النفوس وهذا عين مذهب الفلاسفة إلا أن الشارح تبرأ من طائفة منهم حتى لا يوهم أنه يقلد الفلاسفة تقليدا أعمى فلو كان صرح بأن مذهب الفلاسفة هنا حق لذهب الأوهام إلى تجويز تقليد ملاحدتهم وصار سببا لضلال جماعة عظيمة ولكن صرح بالمعنى وتبرأ من اللفظ، والحق أن أقرب الأقوال إلى قول الملاحدة الماديين قول المجسمة فإنهم لا يعترفون بوجود شئ غير جسم ولا جسماني حتى أن الله تعالى عندهم جسم، وبعد ذلك قول من لا يعترف بوجود مجرد سوى الله تعالى وأبعد الأقوال عنهم قول من أنكر الوجود المستقل للمكن وجعل وجوده كالمعنى الحرفي، وبعد ذلك من أنكر وجود الجسم وجعله مركبا من قوى متحركة كما ذهب إليه أكثر أهل عصرنا وبعدهم من اعترف بوجود الجسم والموجودات المجردة معا (ش).
٢ - و (٢) رواهما الكليني في كتاب الايمان والكفر من الكافي ج ٢ ص ٢٦٨ و 266.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست