شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٦٦
المجرد عن المادة في ذاته دون فعله في الأبدان بالتصرف والتدبير وهذا الجوهر يسمى نفسا باعتبار تعلقه بالبدن وعقلا باعتبار تجرده ونسبته إلى عالم القدس، إذ هو بهذا الاعتبار يعقل نفسه أي يحبسها ويمنعها عما يقتضيه الاعتبار الأول من الشرور والمفاسد المانعة من الرجوع إلى هذا العالم وله مراتب متفاوتة وحالات مختلفة في القوة والضعف. وهي ستة، أولها: حالة الاستعداد الصرف للكمالات (1).
وثانيهما: حالة بها يشاهد الأوليات (2). وثالثها: حالة بها يشاهد النظريات من مرآت الأوليات (3). ورابعها:
حالة بها يشاهد تلك النظريات بعد زوالها من هذه المرآة واختزانها من غير كسب جديد وهذه الحالة حالة علم اليقين، وهي حالة بها يشاهد الصور العلمية والمطالب اليقينية في ذاته، وخامسها: حالة عين اليقين وهي حالة بها يشاهد تلك الصور والمطالب في ذات المفيض (4). وسادسها: حالة حق اليقين وهي حالة بها يتصل بالمفيض اتصالا معنويا وتلاقي به تلاقيا روحانيا (5) وهذه الحالة هي أعظم الحالات للقوة البشرية، وقد تسمى هذه الحالات التي للنفس فيها عقلا أيضا. ومن ههنا ظهر وجه تفاوت العقول في البشر ووجه قبولها للكمال والنقصان. وقد يطلق العقل على الجوهر المفارق عن المادة في ذاته وفعله (6) ويقال إنه أول خلق من الروحانيين، وإنه كثير العدد كثرة

1 - قوله «الاستعداد الصرف» وهذه الحالة تسمى عند الفلاسفة بالعقل الهيولاني (ش).
2 - قوله: «الأوليات» أراد بذلك البديهيات لأنه جعلها مقابلة النظريات، والبديهيات أعم من الأوليات والمشاهدات والمتواترات والحدسيات والتجربيات وقضايا قياساتها معها، وهذه المرتبة تسمى عند الحكماء بالعقل بالملكة (ش).
3 - قوله: «من مرآة الأوليات» القوة التي بها تدرك الأوليات مرآة لادراك النظريات أيضا إذ ينتقل الذهن منها إليها وأدراك النظريات على وجهين: الأول ما يدركها بالبرهان والاستدلال لأول مرة وهي العقل بالفعل في اصطلاحهم، والثاني أن يكون بحيث يراجعها بعد الغفلة عنها لكونها حاضرة في الحافظة فيرجع إليه مهما أراد وهذا هو العقل المستفاد في اصطلاحهم وهي الحالة الرابعة (ش).
4 - قوله: «في ذات المفيض» وهذا المفيض هو العقل الفعال في اصطلاح الحكماء إذ لا بد لزيادة الصور في أذهان المتفكرين من علة فاعلة ولا بد أن تكون العلة الفاعلة للمعقولات عاقلة تدرك الكليات إذ لا يكون الموجد للشيء فاقدا له ولا بد أن يكون جوهرا مجردا، ثم إن ملاحظة الصور في العقل الفعال أعلى وأكمل من ملاحظتها في النفس فان ما في العقل الفعال بريئة عن شوائب الوهم ومحفوظة عن الخطأ، مصونة عن الغلط بخلاف ما يأخذه النفس عن العقل فيدركه في لوح نفسه فإنه يحتمل اختلاطه بمدركات الوهم والحواس فيدخل فيه الخطأ، وإذا وصل النفس إلى مقام يدرك عين الصور الحاصلة في العقل الفعال وتحقق لديه أنه ادركها فيه لا في نفسه، فهذه الحالة الخامسة التي تكون مدركات الانسان عين الحق ولا تحصل الا للكمل من الأولياء (ش).
5 - قوله: «روحانيا» هذا نحو من الاتحاد حققه الحكماء الإلهيون والعرفاء الشامخون وللتفصيل فيه محل آخر وهو آخر سير البشر في السلوك إلى الله وعد بعض العرفاء اللطائف سبعة، «وللناس فيما يعشقون مذاهب» (ش).
6 - قوله: «في ذاته وفعله» هذا تعريف للعقل المجرد في اصطلاح الحكماء وقال المشاؤن: إن العقول عشرة أي نعلم هذا العدد ولا تنكر الزيادة، وقال الاشراقيون: ان عدتهم لا تحصى كثرة ويقال إن العقل أول خلق من الروحانيون، وقد ورد في الحديث كما يأتي ان شاء الله وقال الحكماء: انه أول صادر عن المبدء كما ورد في الحديث وذلك لأن الأشرف مقدم في الوجود ولا ريب أن الموجود العاقل بذاته أشرف من الجماد والحيوان الذي لا عقل له. واعلم ان المجلسي رحمه الله جعل في كتاب الأربعين وغيره من كتبه القول بوجود العقل المجرد مستلزما لانكار كثير من ضروريات الدين وأنكر وجود مجرد سوى الله تعالى (ش).
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست