لا بخصوص السبب واللغو عام، وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه، والآية خارجا مخرج المدح لمن فعل ذلك، وليس فيها دلالة على الوجوب، ومن جملة ما استدلوا به حديث: كل لهو يلهو به المؤمن هو باطل إلا ثلاثة:
ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه. قال الغزالي قلنا: قوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة انتهى. وهو جواب صحيح، لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح، على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح خارج عن تلك الأمور الثلاثة، وأجاب المجوزون عن حديث ابن عمر المتقدم في زمارة الراعي بما تقدم من أنه حديث منكر، وأيضا لو كان سماعه حراما لما أباحه صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر، ولا ابن عمر لنافع، ولنهى عنه وأمر بكسر الآلة، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وأما سده صلى الله عليه وآله وسلم لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما كان يتجنب كثيرا من المباحات، كما تجنب أن يبيت في بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك. لا يقال: يحتمل أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم للانكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير. لأنا نقول:
ابن عمر إنما صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالمدينة بعد ظهور الاسلام وقوته، فترك الانكار فيه دليل على عدم التحريم، وقد استدل المجوزون بأدلة منها قوله تعالى: * (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157) ووجه التمسك أن الطيبات جمع محلى باللام فيشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن، ويطلق بإزاء الطاهر والحلال، وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام فتدخل أفراد المعاني الثلاثة كلها، ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر هو الظاهر. وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الاحكام أن المراد في الآية بالطيبات المستلذات، ومن جملة ما استدل به المجوزون ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا، وسيأتي الكلام عليه. ومن جملة ما استدل به المجوزون أنا لو حكمنا بتحريم اللهو لكونه لهوا لكان جميع ما في الدنيا محرما، لأنه لهو لقوله تعالى: * (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) * (محمد: 36) ويجاب بأنه لا حكم على جميع ما يصدق عليه مسمى اللهو لكونه لهوا، بل الحكم بتحريم لهو خاص وهو لهو الحديث المنصوص عليه في القرآن، لكنه لما علل في الآية بعلة الاضلال عن سبيل الله لم ينتهض للاستدلال به على المطلوب، وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج