من قال بكراهته، ومنهم من قال باستحبابه، قالوا: لكونه يرق القلب ويهيج الأحزان والشوق إلى الله، قال المجوزون: إنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس، والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات، وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة: منها حديث أبي مالك أو أبي عامر المذكور في أول الباب. وأجاب المجوزون بأجوبة، الأول ما قاله ابن حزم وقد تقدم وتقدم جوابه. والثاني: أن في إسناده صدقة بن خالد وقد حكى ابن الجنيد عن يحيى بن معين أنه ليس بشئ. وروى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم، ويجاب عنه بأنه من رجال الصحيح. ثالثها: أن الحديث مطرب سندا ومتنا، أما الاسناد فللتردد من الراوي في اسم الصحابي كما تقدم. وأما متنا فلان في بعض الألفاظ يستحلون وفي بعضها بدونه. وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ: ليشربن أناس من أمتي الخمر. وفي رواية الحر بمهملتين، وفي أخرى بمعجمتين كما سلف. ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك. ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود. ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعا. وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال، لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى. والرابع: أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود، ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة. وأجاب المجوزون أيضا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا: لا نسلم دلالته على التحريم، وأسندوا هذا المنع بوجوه. أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصا في التحريم، فقد ذكر أبو بكر بن العربي لذلك معنيين، أحدهما: أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال. الثاني: أن يكون مجازا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور. ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب. وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجئ إلى الخروج عنها. وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف. وإذا كان اللفظ محتملا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال، لأنه إما أن يكون مشتركا والراجح التوقف فيه، أو حقيقة ومجازا، ولا يتعين المعنى
(٢٦٧)