من يؤذيه من الكفار، فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت: * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * (النساء: 97) الآية، وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها. وقال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالاقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره في الاسلام، ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر. وقال الخطابي أيضا: إن الهجرة افترضت لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال: * (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا) * (الأنفال: 72) فلما فتحت مكة ودخل الناس في الاسلام من جميع القبائل انقطعت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب. وقال البغوي في شرح السنة: يحتمل الجمع بطريق أخرى، فقوله:
لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة. وقوله: لا تنقطع أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الاسلام. قال: ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله: لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن. فقوله: لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الاعراب ونحوهم، وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ:
انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار أي ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه، ومفهومه أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها. وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة، وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا. قال الحافظ: وهو إطلاق مردود. وقال ابن العربي: الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الاسلام وكانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه،